الحوار الإسلامي المسيحي

[email protected]

يرى عدد من المراقبين الدوليين أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن العزيز آل سعود يكسب في كل يوم، منذ أن تسلم مقاليد الحكم في بلاده، شعبية داخلية واسعة، واحتراما وتقديرا دوليين متزايدين. ويأتي هذا الاعتقاد من متابعتهم للسياسات الداخلية والخارجية التي تبناها في السنتين الأخيرتين، ومن اطلاعهم على عدد من الاستقصاءات الإحصائية التي أكدت الشعبية الواسعة التي يحظى بها في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك الاحترام الكبير الذي يحظى به في بقية دول العالم.
تسلم الملك مقاليد الحكم وبلادنا تواجه عددا من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الداخلية الجادة، هذا فضلا عن التحديات الخارجية التي فرضتها ظروف عدم الاستقرار في منطقتنا، وارتفاع حدة التوتر في العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة. وقد تطلب مواجهة هذه التحديات نظرة سياسية ثاقبة وتقديرا سليما للتوازنات المحلية والإقليمية والدولية من سياسي متمرس ينتمي لمؤسسة حكم عريقة، وقائد يتصف بالكفاءة والأمانة والصدق كشخصية الملك عبد الله. وسيسطر التاريخ لهذا الملك ريادته وصدق إرادته في مسيرة الإصلاحات الداخلية، وجهوده البناءة في ترسيخ مسار السياسة الخارجية لهذه البلاد القائمة على الواقعية والسلم ودعم العلاقات الدولية المبنية على تعزيز التفاهم والمصالح المشتركة. سبق للملك أن قام بزيارتين دوليتين وهذه هي الثالثة، وهي تأتي ضمن جهوده المتواصلة من أجل دعم وتوثيق علاقات بلادنا مع بقية دول العالم، في زمن أخذ يموج بحدة المنافسات التجارية الدولية، وزيادة التوترات السياسية إقليميا ودوليا.
ولعل أبرز ما في الرحلة الملكية الحالية هو الزيارة التاريخية للفاتيكان، التي نرجو أن يقدر الفاتيكان غرضها وأهدافها حتى تعطي ثمارها وتحقق نتائجها المأمولة لتحسين وتطوير العلاقات الإسلامية المسيحية. فهذه الزيارة ليست مجرد لقاء شكلي وبروتوكولي، بل هي محاولة مخلصة من حامي ديار الإسلام لتأسيس عمل مشترك صادق للتعايش والحوار الحضاري والثقافي البناء بين العالمين الإسلامي والمسيحي. وهو حوار غدا مهما وضروريا في ظل الأجواء الدينية المتوترة التي خيمت على العلاقات بين الطرفين في السنوات القليلة الماضية. وهي في الواقع امتداد حديث لجهد سابق بدأ في عهد الملك فيصل ـ طيب الله ثراه، لدعم مسيرة الحوار بين العالمين الإسلامي والمسيحي. وتأتي هذه الزيارة لتدعم جهود عدد من علماء المسلمين كانوا قد وجهوا رسالة مفتوحة حكيمة إلى القيادات المسيحية في الغرب وعلى رأسها بابا الفاتيكان، يدعونهم فيها إلى تبني خيار الحوار وحسن التفاهم بين الإسلام والمسيحية. إن واجب العقلاء من الجانبين هو ضرورة وضع حد لمظاهر الكراهية والعنصرية البغيضة التي أطلت برأسها في السنوات الأخيرة، فمصلحة البشرية هي في لجم هذا التيار العدائي، مهما كانت دعواه ومبرراته.
لقد نشطت بعض القوى المتطرفة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين الغربيين في السنوات الأخيرة في إطلاق بعض الادعاءات الكاذبة والممجوجة من نوع (إنهم يكرهون حريتنا، أو يعادون ديمقراطيتنا، أو يرغبون في تدمير مكتسباتنا وحضارتنا، أو يحسدوننا على مستوى معيشتنا، أو نحو ذلك من الادعاءات)، وقد ثبت علميا عدم صحتها من خلال دراسة موضوعية أجرتها مؤسسة جالوب Gallup قبل نحو سنة ونصف، لاستطلاع آراء الناس في العالمين الإسلامي والغربي حول عدد من القضايا المشتركة. كان من أهم نتائج تلك الدراسة الاستطلاعية التأييد الواسع بين المسلمين في الدول الإسلامية التي غطاها المسح والتي تمتد من إندونيسيا حتى المغرب، لنموذج الحكم الذي يجمع بين الدين والديمقراطية، على عكس الدعاوى الباطلة التي تتكرر في الغرب. إن تحسين سبل التفاهم بين العالمين الإسلامي والغربي يقتضي احترام ما كشفت عنه هذه الدراسة من أن هناك تأييدا كبيرا للشريعة بين المسلمين في الدول الإسلامية. وأن الدعوة لاعتبار الشريعة مصدرا للتشريع تحظى بتأييد ما معدله 79 في المائة من سكان الدول العشر التي شملها ذلك الاستطلاع. ومع ذلك فإن أغلب المسلمين يؤيدون حرية التعبير والدين والتجمع. وأنه على الرغم من تأييد المسلمين الواسع للشريعة، فإن حماسهم وتأييدهم واسع أيضا لقيم الديمقراطية والمساواة. وأن على الغرب – وفقا لدراسة معهد جالوب - أن يذّكر نفسه أن العالم الإسلامي تمتع بعصر التنوير والتقدم، حيث ازدهرت العلوم والمعارف والتقنية والفنون في ظل الشريعة وليس خارجها. ونتائج هذه الدراسة تظهر بجلاء وبمعايير موضوعية أن المسلمين لا يصنفون كل الدول الغربية في خانة واحدة، ولا يقسمون العالم وفقا لتصنيفات جغرافية أو دينية.
إن على الغرب احترام الإسلام والمسلمين وتفادي النظرة الدونية لدينهم أو ربطه بالإرهاب. وعلينا، من جانبنا، التعاون ضمن القيم المشتركة واحترام الجوانب الإيجابية في الحضارة الغربية من أجل ترسيخ أسس التعاون والتعايش السلمي بين مختلف الديانات والحضارات. الحوار هو الخيار الحكيم للتعايش السلمي بين المجتمعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي