برميل النفط بين المنتج والمستهلك

لا يمضي يوم إلا وللنفط قصة. وهذه القصة ركيزتها تسعيرة هذه المادة الاستراتيجية التي لم تشهد البشرية سلعة تجارية بأهميتها وربما لن تشهد.
عندما كنت أعمل مراسلا في وكالة رويترز كانت هناك شعبة كبيرة يطلقون عليها energy desk (مكتب شؤون الطاقة). هذا المكتب كان مقره في لندن وله شبكة من المراسلين حول العالم.
والطاقة كانت "النفط" وأي شيء ذي علاقة بالنفط. أخبار أسواق المال والتجارة والسلع والعملات تأخذ نحو 95 في المائة من نشاطات وكالة رويترز التي تقبع على قمة هرم الوكالات الإخبارية العالمية.
وقد لا يتصور القارئ ولكن من تجربتي الخاصة فإن توقفت بئر صغيرة عن الإنتاج في أي مكان في الشرق الأوسط ولو لساعات يكون الحدث ذا قيمة خبرية وتبث الوكالة خبرا عاجلا عنه.
وكل كلمة ينطقها وزير نفط في الشرق الأوسط ذات قيمة وأهمية خبرية تتلقفها الوكالة وتصنع قصة منها.
في الغرب يتعاملون مع المعلومة بجدية. يحللونها ويدرسونها ويمتحنونها ويمحصونها. تحليل المعلومة مهم لكيفية التعامل مع الحاضر والمستقبل.
وتحليل المعلومة هدفه أيضا كيفية مواجهة الصدمات والأزمات ومحاولة الكشف عن دورتها من حيث الزمن أو التنبؤ بمنحى النشاط المتوقع لهذه السلعة.
واليوم هناك كم هائل من المعلومات حول أي موضوع أو مادة. فتصور كم سيكون حجم المعلومات عن سلعة استراتيجية مثل النفط.
وأغلب هذه المعلومات متاحة اليوم على الشبكة العنكبوتية. وهذا يعني أن الحصول على المعلومة لم يعد يحتاج إلى جهد كبير. ما يحتاج إليه الناس اليوم هو تحليل المعلومة بطريقة علمية والتصرف على نتائج هذا التحليل.
ومستهلكو النفط الغربيون مشهود لهم تحليلهم للمعلومة. وعندما حللوا منحنى الأسعار والإنتاج والاستهلاك ولا سيما الجغرافيا السياسية geopolitics للنفط توصلوا إلى نتيجة في غاية الأهمية.
هذه النتيجة لقنتهم درسا أساسه أن النفط وما يتعلق به من تسعير ومستويات إنتاج لا تنطبق عليه معايير سلعة تجارية. هو سلعة تؤثر فيها الجغرافيا السياسية والمصالح أكثر منه قوانين العرض والطلب.
وأعدوا للنفط ما استطاعوا من التدابير والإجراءات كي يكبحوا تأثير منحنى تسعيره وإنتاجه سلبا وإيجابا في اقتصادهم وبلدانهم.
وأعدوا العدة وهم اليوم في منأى عن أي ارتدادات أو انعكاسات أو مضاعفات قد يحدثها عدم استقرار الأسعار والإنتاج.
إن ارتفع السعر بشكل قياسي وغير مسبوق، فلهم تصور وإجراءات محكمة للعيش مع الوضع دون مضاعفات على اقتصادهم.
وإن انخفض السعر بشكل قياسي غير مسبوق لهم إجراءاتهم التي تمكنهم من استيعاب بوصلة المنحنى بأي اتجاه.
الدول المنتجة للنفط لا تتعامل مع المعلومة بهذه الصيغة ولا تحللها ولا تبني عليها.
أغلب هذه الدول ظهر أنها تعيش لحظتها. ومن ثم أغلب هذه الدول أسيرة الجغرافية السياسية.
ارتفاع الأسعار له مضاعفاته للدول المنتجة وانخفاضها له مضاعفاته الكبيرة عليها أيضا. هي ليست مستعدة لأي وجهة تذهب إليها بوصلة منحنى الأسعار.
وهذا جلي لأن حتى الارتفاع الكبير للأسعار كانت له سلبياته، حيث أدى إلى مظاهر اقتصادية صارت عبئا على الاقتصاد.
وعندما سقطت الأسعار من عليائها، وجدت بعض الدول المنتجة نفسها في وضع لا تحسد عليه.
ولأن أغلب الدول المنتجة لا تستطيع الخروج من القفص الحديدي الذي يؤطر جغرافيتها السياسية، صارت في صراع مرير مع بعضها الآخر.
ودخل هذا الصراع أروقة النفط وإنتاجه وتسعيره. وإن اجتمع المنتجون تخيم الصراعات السياسية والفكرية على قراراتهم بدلا من مصالح بلدانهم وشعوبها.
ولهذا صار العالم لا يهتم كثيرا إن اجتمع المنتجون.
العالم ولا سيما الغربي منه له قراءته الخاصة لوضع هذه السلعة التي يبدو أنه أخرجها من كونه سلاحا بيد أصحابها لإحداث نقلة نوعية صوب امتلاك ناصية العلم والمعرفة والصناعة والتكنولوجيا والتمدن والحضارة.
وهكذا صار بإمكان المستهلكين التحكم في المنتجين وليس العكس رغم أهمية السلعة التجارية هذه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي