لكي نحقق الاستفادة القصوى من «كابسارك»
تملأ وسائل الإعلام أخبار وتحليلات ومرئيات منظمات رائدة في متابعة وتحليل أسعار وأوضاع الطاقة وأسواق النفط بمختلف أنواعه. يكثر السؤال عن طبيعة ومستقبل النفط الصخري. اللافت أن مساهمتنا عالميا في تحليلات أوضاع الطاقة أقرب إلى المعدومة، رغم كوننا أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، ورغم وجود مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك"، الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قبل خمسة أسابيع تقريبا.
جاء في لقاء المهندس سامر الأشقر رئيس "كابسارك" مع جريدة "الاقتصادية"، عدد 20 كانون الثاني (يناير) من هذا العام أن المركز يهدف لأن يكون صرحا لأبحاث اقتصاديات الطاقة والأفكار المتعلقة بها وتأثيراتها البيئية لإنتاج بحوث متميزة يمكن تطبيقها والاستفادة منها في مجالات تخدم الوطن والعالم.
ما نصيب ذلك الكلام من الواقع؟ هل من علامات ملموسة تدل على الاستفادة من المركز، خاصة خدمة الوطن أخذا بعين الاعتبار الرؤية من تأسيسه وما خصص له من موارد كبيرة؟ على سبيل المثال، هل ظهرت إسهامات واضحة للمركز في دراسة ومناقشة التأثيرات البيئية وما يسمى الاحتباس الحراري من استخدام النفط؟ تأثير ذلك في الطلب على النفط وفي اقتصادنا على المدى البعيد؟ تطوير ما يسمى البدائل النظيفة؟ هل شرح المركز ووضح مدى دقة ما قيل من كلام كثير عن النفط الصخري؟ ما إسهامات المركز الفعلية المرتبطة ببرنامج التحول الوطني ذي الصلة الوثيقة بأهداف المركز، بما يتناسب مع ما خصص للمركز من موارد؟
صحيح أن المركز أصدر دراسات، لكنها لا تتناسب كما وكيفا وانتشارا واستفادة مع طموحات تأسيسه ولا مع ما خصص له من موارد. اطلعت على بعضها فلم أجدها تفوق ما أصدره المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية The National Center for Financial and Economic Information (نكفي)، الذي تأسس في وزارة المالية تحت مظلة اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة قبل أكثر من 30 عاما وكانت الطموحات خلف تأسيسه عالية، وعمل فيه عدد من المستشارين والباحثين الاقتصاديين المؤهلين من حملة الجنسية الأمريكية، وأتيحت لي فرصة العمل مع بعضهم والاستفادة لعدة سنوات. وكانت تكلفة تأسيس وتشغيل "نكفي" بسيطة جدا مقارنة بتكلفة "كابسارك". ويهمني أن أشير هنا إلى ثلاث نقاط:
1 - أنتج "نكفي" مئات الدراسات الرصينة 2 - استفادة الوطن من كثير من تلك الدراسات كانت دون المؤمل لأسباب لا يتسع المقام لتوضيحها 3 - شبه فشل في تدريب جيل من السعوديين على البحث الاقتصادي الرفيع المستوى، وكانت من أهم أهداف تأسيس "نكفي".
عرفني قبل سنة تقريبا زميل عمل سابق أمريكي عملت وإياه متخصصين اقتصاديين في "نكفي" في وزارة المالية قبل سنوات، عرفني على زملاء أصدقاء له في "كابسارك". زرت المركز وعرفت أن كل المستشارين الاقتصاديين فيه من غير السعوديين، ووجدت معلوماتهم عن الاقتصاد السعودي تعد ضعيفة. لما عرف أحدهم عن تخصصي واهتمامي بالاقتصاد الكلي، حاول مشكورا أن يوضح لي محاولته دراسة دالة الاستهلاك في المجتمع السعودي. شرح لي منهجيته في البحث وفي تقدير الدخل الشخصي، نظرا لأنه لا توجد عنه بيانات أو تقديرات رسمية من هيئة الإحصاءات، فذكرت له أن في منهجيته عيوبا. أرسلت له في اليوم التالي بحثا لي منشورا بالإنجليزية عن دالة الاستهلاك في السعودية. وأبلغني أنه استفاد كثيرا مما أرسلته.
كيف نشأ "كابسارك" هكذا، لا أدري. كان بودي لو أنهم جعلوه تابعا لـ "أرامكو"، ولكن قد يقال سيكون هناك تعارض مصالح. حسنا ليكن تابعا لجهة علمية كمدينة الملك عبد العزيز للتقنية أو جامعة الملك عبد الله. وإذا رئي أن الأنسب استمرار بقائه مستقلا، فلابد من إخضاع المركز للحوكمة.
الخلاصة أن الرؤية والهدف من تأسيس المركز طموحان، لكنه لم يوفق في تحقيقهما كما كان متوقعا عند التفكير في تأسيسه. لم يوفق في أن يكون مكانا لتدريب شبابنا ليصبحوا خبراء في مجال البحوث البترولية. هناك كثير من المواضيع النفطية الحية البالغة الأهمية لاقتصادنا التي تجب دراستها والتنوير بها وأخص بالذكر تنوير جهات حكومية وخاصة لصيق عملها بطبيعة عمل المركز. أرى الحاجة إلى وجود آلية للاستفادة من المركز الاستفادة القصوى بما يتناسب مع تكاليف تأسيسه وتشغيله. أخيرا أقترح البحث عن اسم أنسب من "كابسارك".