القوة الاقتصادية للسعودية بعد 95 عامًا
تحتفل المملكة العربية السعودية هذا العام بمرور 95 عامًا على تأسيسها، وهي مناسبة عظيمة تجسد مسيرة وطنٍ بدأت من صحراء مترامية الأطراف، لتنتقل بخطى واثقة نحو مصاف الدول الأكثر تأثيرًا في العالم سياسيًا واقتصاديًا.
لقد كان توحيد السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –طيب الله ثراه– نقطة تحول تاريخية وضعت حجر الأساس لنهضة شاملة. واليوم، وبعد 9 عقود ونصف من العمل المتواصل، تقف المملكة كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية لها ثقلها ومكانتها.
من النفط إلى التنوع: عندما اكتُشف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، شكّل ذلك بداية فصل جديد في تاريخ السعودية، إذ تحولت من دولة تعتمد على النشاطات التقليدية إلى قوة اقتصادية عالمية. وبفضل السياسات الحكيمة التي تبنتها القيادة السعودية، أصبحت أكبر مصدر للنفط في العالم، وأحد أبرز الأعضاء في منظمة أوبك، بل وقائدًا رئيسيًا في استقرار أسواق الطاقة الدولية.
لكن التوجه الاقتصادي لم يتوقف عند النفط فقط، فقد أدركت المملكة أن بناء اقتصاد مستدام يتطلب تنويع مصادر الدخل. ومن هنا جاءت رؤية المملكة 2030 التي يقودها و ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز والتي تهدف إلى تحويل الاقتصاد الوطني إلى اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة والتقنية والابتكار، مع تعزيز دور القطاعات غير النفطية مثل السياحة، التعدين، الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية.
تُظهر المؤشرات العالمية حجم القوة الاقتصادية للسعودية. فهي تحتل المرتبة الأولى عربيًا والـ 17 عالميًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها عضو فاعل في مجموعة العشرين التي تضم أكبر اقتصادات العالم.
وقد تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 4.5 تريليون ريال بالأسعار الجارية في 2024، ما يعكس صلابة اقتصادها. كما حققت المركز الرابع عالمياً في مؤشر الأمم المتحدة لتطوير الحكومة الإلكترونية والتاسعة عالمياً والأولى إقليمياً في مجال الجاهزية للبنية المعرفية الجغرافية، أما في مجال المعرفة العالمي فقد حققت أيضا المركز الأول عالمياً في نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم ما بعد الثانوي غير الجامعي والمرتبة 17 عالمياً في مجال التنافسية العامة للعام 2025، وغيرها من المراكز المتقدمة في مختلف المجالات.
أما على مستوى الاستثمارات، فقد أصبح صندوق الاستثمارات العامة السعودي واحدًا من أكبر الصناديق السيادية عالميًا، بإستراتيجيات تستهدف تطوير الداخل السعودي عبر مشاريع كبرى مثل “نيوم”، “القدية”، و”البحر الأحمر”، إلى جانب استثمارات عالمية نوعية تعزز مكانة المملكة في الاقتصاد الدولي.
وفي القطاع المالي، واصلت السعودية تحقيق مؤشرات إيجابية من خلال تصنيفات ائتمانية قوية تعكس الثقة العالية في اقتصادها، بالرغم من التحديات الاقتصادية العالمية.
لا يمكن الحديث عن الاقتصاد السعودي دون التطرق إلى دوره في قطاع الطاقة. فالسعودية ليست فقط أكبر مصدر للنفط، بل أصبحت رائدة أيضًا في مجال الطاقة المتجددة. فقد أعلنت مشاريع ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، إلى جانب استثمارات كبرى في الطاقة الشمسية والرياح، ما يبرز حرصها على الموازنة بين أمن الطاقة وحماية البيئة، وتعزيز مكانتها كقوة طاقة شاملة في المستقبل.
القوة الاقتصادية للسعودية لا تقف عند حدودها الجغرافية، بل تمتد إلى العالم أجمع. فهي تُعد من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية، كما أطلقت مبادرات عالمية مثل “مبادرة السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” لمواجهة التغير المناخي وحماية البيئة. كما أن مشاركتها الفاعلة في مجموعة العشرين جعلت صوتها مسموعًا في القرارات الاقتصادية الكبرى التي تؤثر في مستقبل الاقتصاد العالمي.
ومع اقتراب السعودية من مئويتها الأولى، تتضح معالم مستقبل أكثر ازدهارًا، مدفوعًا ببرامج التحول الاقتصادي التي تهدف إلى جعلها مركزًا عالميًا للابتكار والاستثمار. فالمشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها ليست مجرد استثمارات مالية، بل هي استثمارات في الإنسان والمكان، تعكس طموحًا بلا حدود لبناء وطن ينافس في جميع المجالات.
إن مرور 95 عامًا على تأسيس المملكة العربية السعودية ليس مجرد ذكرى وطنية، بل هو محطة للتأمل في رحلة ملهمة من التحديات والإنجازات. لقد استطاعت أن تبني اقتصادًا قويًا يقوم على أسس متينة من الحكمة والطموح، وأن تنتقل من الاعتماد على النفط إلى تنويع مواردها، لتصبح قوة اقتصادية عالمية يُحسب لها ألف حساب. ومع رؤية 2030، يواصل هذا الوطن العظيم مسيرته بثقة نحو مستقبل أكثر إشراقًا، متسلحًا بقوة اقتصاده، وإرادة أبنائه، وقيادته الرشيدة.
كاتب اقتصادي