واشنطن ونيودلهي .. عقدة أكبر من خلاف تجاري
من الأزمات التي لازالت عالقة على الساحة التجارية العالمية، هي تلك التي تربط كلاً من الولايات المتحدة والهند. بالرغم من أن الاتفاقات التي تمت بين واشنطن وعدد كبير من البلدان، ليست مثالية تماماً، وأتت (كما هو معروف) من فرط توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القاسية تجارياً.
هذا الأخير يؤمن بشدة بأن بلاده تعرضت لـ "الظلم التجاري" على مدى عقود، وآن الأوان لتصحيح المشهد العام، عبر اتفاقات وإن جاءت بفعل "سلاح الرسوم". الحالة الهندية محورية، لأسباب عديدة، في مقدمتها أن نيودلهي تتخذ منحى "المقاومة"، عبر سياسات لا ترضي الجانب الأمريكي، كما أنها مهمة، لأن حجم التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة يبلغ 212 مليار دولار لمصلحة الهند.
وسط التوتر الراهن بين الطرفين (بصرف النظر عن اللغة الهادئة التي ظهرت من الجانبين أخيراً)، لا يمكن للحكومة الهندية، وفق مفهوم ترمب، أن تمضي قدماً في تدعيم علاقاتها النفطية والتجارية والعسكرية مع روسيا والصين، إذا ما أرادت تحقيق قفزات نوعية على صعيد التوصل لاتفاق تجاري.
كما أن هذا الجانب المهم، يقضي بالفعل على المخططات التي أعلنها سابقاً رئيس حكومة الهند ناريندرا مودي، الهادفة لمضاعفة حجم التجارة مع الجانب الأمريكي إلى 500 مليار دولار بحلول العام 2030، علماً بأن هذا الهدف يبدو صعب التحقيق حتى في ظل علاقات أقل حدة بين واشنطن ونيودلهي. لكن في النهاية، لا بد من تفاهم ما، بدلاً من ترك الأمور مفتوحة، ما أدى أخيراً إلى الرسوم الأمريكية على بضائع الهند لنحو 50%.
لم تعد "وعود" مودي بشراء مزيد من النفط والغاز والطائرات المقاتلة الأمريكية تؤدي الغرض. ينبغي الإسراع في عقد اتفاق مع واشنطن، والنبرة اللطيفة الأخيرة من جانب ترمب، يمكن أن تكون نقطة انطلاق جديدة لمحادثات أكثر عمقاً وإيجابية في المستقبل القريب.
من هنا، يمكن النظر إلى تحرك المسؤولين في نيودلهي لتسريع وتيرة المفاوضات، التي استؤنفت قبل أيام، علماً بأن مساحات التفاوض واسعة جداً.
إضافة إلى مسألة المشتريات الهندية من السلع الأمريكية، هناك الرسوم التي تفرض على السلع الصناعية، وخفض الضرائب على السيارات وغير ذلك من أمور معلقة، من بينها، مطالب الأمريكان بإزالة الرسوم عن المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان، وهذه النقطة حساسة جداً على الجانب الهندي، لأن الملايين يعملون في هذا القطاع الحيوي.
المسألة ليست سهلة، ولكنها باتت ضرورية الآن بقوة، لأن التوتر السائد في الوقت الراهن، سيعمق التهديدات بين الطرفين. ويبدو واضحاً أن يتوجب على الحكومة الهندية أن تكون أكثر مرونة، بصرف النظر عن البعد المحلي الحساس في بلادها.
فإذا استعرت الحرب التجارية مع واشنطن، سترفع مستوى الخسائر لاحقاً، بما في ذلك التأثيرات السلبية العالية في التعاون الخاص بالطاقة النووية، كما أن التعريفات التي تفرضها نيودلهي على السلع الأمريكية، ستتلقى رسوما بنفس قيمتها، ما سيضر بالصادرات، خصوصاً إذا لم تكن هناك بدائل عالية الجودة لها.
رغم ما تبقى من "مودة" بين مودي وترمب، فإن الأخير لم يتردد بالطلب من مجموعة السبع لمعاقبة الهند، بسبب علاقاتها المتصاعدة مع كل من الصين وروسيا.
كاتب اقتصادي