اقتصاد سعودي متجدد بقوة الرؤية

خرجت بريطانيا ومعها دول الحلفاء منتصرة من الحرب العالمية الأولى، لكنها خلفت صراعات في مختلف أنحاء العالم، في وقت كانت الجزيرة العربية تحاول العودة للحياة.

كان ظهور الملك عبدالعزيز على الساحة يمثل لحظة تاريخية فاصلة وتوفيق من الله لهذه البلاد حتى تجد قائدها العربي الأصل والمعيشة، كان الملك عبدالعزيز ابن هذه الأرض في ولادته ومحياه ومماته في لبسه ومطعمه ومسيرته، يعرف تماما ماذا يزرع أهلها وماذا يأكلوا وماذا يصنعون، يعرف أسواقها وتجارها وعمالها، وهم يعرفونه ويعرفون جهاده وآل سعود في طريق توحيد الجزيرة العربية طوال قرون. لم يكن هناك من يجهل الملك عبدالعزيز ولم يكن هناك ما يجهله الملك عبدالعزيز عن اقتصاد أرضه وموطنه.

كان يعرف أن سياسة الانعزال التي سيطرت على الجزيرة العربية لقرون لم تكن قادرة على بناء اقتصاد يتناسب مع عالم قوة الآلة الذي اثبتت الحرب العالمية الأولى هيمنته. وواجهت السعودية تحديات اقتصادية كبيرة بسبب محدودية الموارد، وضعف وسائل الإنتاج، وغياب المؤسسات المالية، مع ضعف عام في الجهاز الإداري الحكومي وتزامنت مع أزمات عالمية مثل الكساد ثم الحرب العالمية الثانية، وتشير المصادر التاريخية إلى أن أول ميزانية سعودية رسمية بلغت 14 مليون ريال، 1934 الموافق 1352 هـ، في تلك الفترة التي اتسمت باضطرابات واسعة في العملات والمعادن المرتبطة بها، بسبب تصرفات الدول الاستعمارية تجاه الفضة عموما، وقد أثرت تلك التقلبات في شكل الميزانية وفي اليات الانفاق عموما.

ولذلك فإن المحلل المنصف لتلك لفترة يدرك تماما المعجزة التي حدثت في السعودية على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز وأبنائه في بضع سنين.

تلك الرحلة التي مر بها الاقتصاد السعودي والتحولات الكبيرة حدثت في البنى الاقتصادية والاجتماعية في السعودية تعد تجربة فريدة إذا ما قيست بتجارب الأمم الأخرى، ويكفي مقولات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وهو يصف الرياض في بدايات العهد السعودي، حيث لا تكاد تجد فيه طريقا معبدا بالأسفلت، بينما اليوم في عهده الميمون وبقيادة الأمير محمد بن سلمان -ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء- تقف على أهبة الاستعداد لاستضافة أحداث عالمية مذهلة مثل إكسبو الرياض 2030 وكأس العالم 2034 فضلا عن المؤتمرات التي تعقد فيها كل يوم تقريبا، وتبنى فيها أكبر حديقة في العالم مع مشاريع كبرى لجعلها خضراء الشرق الأوسط.

وإذا كانت الدول التي تحولت عبر قرون من اقتصاد الزراعة إلى الثورات الصناعية الأولى والثانية ثم الرقمية، كانت تنتقل من مرحلة إلى أخرى عبر صراع مرير بين الأجيال، بل بالحروب في أوقات مختلفة وثروات مؤلمة تستنزف البشر والاقتصاد، لكن تلك الرحلة وتحولاتها الكبيرة (الثقافية والاجتماعية و العلمية) كانت بفضل الله علينا ثم بفضل القيادة السعودية الحكمية للملك عبدالعزيز المؤسس وأبنائه البررة تمر بسرعة وبهدوء مع تطور في المجتمع السعودي بكل شرائحه في ثبات راسخ مع قيادته.

وبعد أن كان تداول الريال السعودي مرهونا بكميات الفضة أصبح اليوم مستندا إلى بيئة رقمية تعد الأفضل في العالم أجمع، وأصبح التعامل به في وسائط رقمية وورقية، ويمكن تحويله عبر الحسابات البنكية حول العالم أجمع، ولا تجد قرية في العالم إلا ويمكنك تحويل الريال منها وإليها بسهولة مذهلة، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد السجلات التجارية قد وصل إلى 1.51 مليون سجل تجاري في جميع مناطق المملكة منها 1.13 مليون سجل للمؤسسات و389.41 ألف سجل للشركات.

ويكفي أن تدرك بأن إنفاق المستهلكين خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 قد بلغ 181.74 مليار ريال بنسبة نمو بلغت 8.7% عن السنة الماضية، بينما وصلت السوق المالية السعودية للمرتبة التاسعة بين دول العالم حسب المؤشرات الدولية بلغت القيمة السوقية 8.87 تريليون تمثل القيمة الإجمالية لجميع الشركات المدرجة والمتداولة في السوق الرئيسية في تداول السعودية كما في أغسطس 2025.

واليوم مع الرؤية وبقيادة الأمير محمد بن سلمان حفيد المؤسس وقائد المرحلة التي تشهد قفزات اقتصادية نوعية لم تشهدها السعودية منذ تأسيسها، فالقطاع السياحي أصبح محوريا وقطاعاً واعداً في الاقتصاد السعودي وينتقل المواطن السعودي من مستهلك للمنتجات السياحية إلى منتج لها، بمفهوم الاستثمار السياحي، وبتوفير مقوماتها وبناء القوى البشرية العاملة.

إن الأرض السعودية المباركة التي كانت قبل العهد السعودي هي ذاتها الأرض التي كانت بعده، ولقد مرت حضارات على البشر من حولنا ولم تشهد أرض السعودية من تلك الحضارات إلا الجحود، إذا ما استثنينا بعض الفترات في صدر العهد الإسلام الأول، نعم هي نفسها الأرض التي ازدهرت اليوم تحت هذا العهد المبارك، ولم يكن وجود النفط بكميات تجارية إلا هبة الله لمن صان الأمانة وعمر الحرمين الشريفين، بدءا من العام 1955، الذي شهد أول توسعة للمسجد الحرام، بمبادرة من الملك سعود بن عبدالعزيز، لمضاعفة مساحة الحرم لتصل إلى 160 ألف متر مربع، بطاقة استيعابية بلغت نحو 400 ألف مصلٍ، لتصل مساحة الحرم المكي اليوم في عهد أخيه الملك سلمان إلى نحو 1.5 مليون متر مربع صلى فيه أكثر من 3 ملايين و400 ألف في ليلة 27 من رمضان الماضي، ولم تقتصر التوسعة على زيادة المساحات فقط، بل شهدت إدخال تقنيات حديثة متطورة داخل الحرم الشريف واعتمدت التوسعة على الذكاء الاصطناعي من خلال روبوتات لتوزيع مياه زمزم وتعقيم الساحات.

هذا هو الاقتصاد السعودي المتجدد في ظل الحكم السعودي الذي نحتفل بيومه الوطني في سلام وأمن بلا ضجيج التقلبات السياسية وصراعات الأحزاب والأجنحة، وشعارنا دائما هو الرؤية للمستقبل المضيء.  

 

باحث اقتصادي وأكاديمي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي