كيف تبدو أسواق النفط بعد خفض الفيدرالي للفائدة؟

في خطوة متوقعة، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الأربعاء عن خفض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس، هذا الخفض يمثل أول تقليص للأسعار منذ ديسمبر 2024 بعد فترة طويلة من تثبيت سعر الفائدة، يأتي هذا الخفض في سياق جهود الفيدرالي الأمريكي لدعم الاقتصاد الأمريكي الاقتصاد الأكبر في العالم وسط مخاوف من تباطؤ النمو.
من المتوقع أن يقرر الفيدرالي خفضين إضافيين هذا العام، ما سيسهم في سياسة نقدية أقل تشدداً ويضخ مزيداً من السيولة في الأسواق. ومع ذلك، لم يكن تأثير هذا الخفض إيجابياً بالكامل في أسواق النفط رغم أن خفض أسعار الفائدة تُعتبر محركاً إيجابياً للأسعار، إذ يقلل من تكلفة الاقتراض ويحفز الإنفاق الاستهلاكي ويعزز النشاط الاقتصادي و يمنح الأسواق مزيدا من السيولة التي تولد النمو الاقتصادي ما يزيد على حجم الطلب على النفط كمحرك للنمو والانتعاش.
ولكن أسعار النفط شهدت انخفاضاً طفيفاً، حيث تفوقت مخاوف الاقتصاد الأمريكي على التأثير الإيجابي للخفض فانخفض سعر خام برنت بمعدل 0.65% إلى 67.51 دولاراً للبرميل مركزاً على ضعف الاقتصاد الأمريكي.
كما أن التركيز على مخزونات النفط الأمريكية المرتفعة وتوقعات الفائض العالمي ترك تأثيراً سلبياً ولم يدفع أسعار النفط إلى الصعود. بيد أن الخفض قد يدعم الطلب على المدى المتوسط، خاصة في قطاع النقل والصناعة وإن لم يكن كافياً لمواجهة الضغوط الحالية. وحتى نفهم التأثير الأوسع علينا النظر في ديناميكيات العرض والطلب العالمية، التي تشهد توازناً هشاً يميل نحو الفائض، مما يضغط على الأسعار بصورة كبيرة.
فالمعروض العالمي من النفط يشهد زيادة ملحوظة فقد زاد إنتاج الأربعة الكبار في أوبك وهي السعودية والإمارات والعراق والكويت من 18.3 مليون برميل يومياً في أبريل 2025 إلى 19.4 مليون برميل يومياً في أغسطس، بزيادة قدرها 1.1 مليون برميل يومياً.
أما الطلب العالمي فينمو ببطء، متأثراً بالتباطؤ الاقتصادي في الدول المتقدمة، رغم الدعم من الاقتصادات الناشئة، فأوبك في تقريرها أبقت على توقعاتها لنمو الطلب العالمي عند 1.3 مليون برميل يومياً، مع استقرار الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند زيادة طفيفة (0.1 مليون برميل يومياً)، بينما تنمو الدول غير الأعضاء بـ1.2 مليون برميل يومياً، مدفوعة بالدول الآسيوية خاصة الصين والهند كما رفعت أوبك توقعات نمو الطلب بشكل طفيف إلى 1.1 مليون برميل يومياً، مع توقع استمرار النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.5-1%.
تبدو أسواق النفط متوازنة لكنها هشة، مع ميل نحو الضغط الهبوطي على الأسعار. الخفض يُعتبر إشارة إيجابية للطلب المستقبلي، إذ قد يحفز النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.5-1% إضافية في 2026، ما يزيد الطلب على النفط بـ500 ألف برميل يومياً تقريباً. ومع ذلك، يفوق الفائض الحالي هذا التأثير، خاصة مع زيادة إنتاج أوبك بلس ومخاوف الركود الأمريكي.
أما عن المدى قصير الأجل فإن الأسعار قد تظل متقلبة بين 60-70 دولاراً للبرميل، مع دعم من انخفاض المخزونات الأمريكية ما لم يحدث طارئ يغير المعنويات أو المعدلات الحالية في الأسواق. وعن المستوى المتوسط فمع التخفيضات الإضافية المتوقعة من الفيدرالي، قد يرتفع الطلب بنسبة 1-1.5 مليون برميل يومياً، وفي الوقت نفسه قد يؤدي الخفض إلى زيادة الاستثمار، ما يدعم الإنتاج الأمريكي في مكافحته انخفاض معدلات الإنتاج بعد وصوله مستوى الذروة في الإنتاج.
يمثل خفض الفيدرالي دفعة إيجابية محتملة للطلب على النفط، لكنه لن يغير التوازن الحالي الذي يميل نحو الفائض، ما يجعل الأسواق التي لم تستجب حتى للتأثيرات الجيوسياسية والأحداث الكبرى في الشرق الأوسط وفي الشرق الأوروبي عرضة للتقلبات.

خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي