التقنيات العقارية توسّع آفاق الاستثمار وفرص السوق
شهد القطاع العقاري في السعودية تحولًا نوعيًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بالتطورات التقنية والتشريعات الحديثة التي تستهدف رفع كفاءة السوق، وتعزيز الشفافية، وجذب الاستثمارات. يأتي هذا التحول ضمن رؤية السعودية 2030، التي تضع الابتكار والتقنية في صميم خططها لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، حيث أصبحت التقنيات العقارية ركيزة أساسية في إعادة تشكيل المشهد العقاري، سواء في عمليات البيع والشراء أو في الإدارة والتسويق.
تشير بيانات وزارة المالية وهيئة العقار إلى أن الاقتصاد الرقمي في السعودية أسهم بنسبة تتجاوز 7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، ويُعد القطاع العقاري أحد أبرز المساهمين في هذا النمو، بفضل إدخال التكنولوجيا في جميع مراحل العمل العقاري، بدءًا من التخطيط والتصميم، مرورًا بمرحلة البناء، ووصولًا إلى إدارة العقارات وتسويقها.
ووفق تقرير صادر عن Fortune Business Insights، بلغ حجم سوق التقنيات العقارية العالمي في 2024 نحو 36 مليار دولار، مع توقعات بنمو سنوي مركب يبلغ 11.9% ليصل إلى 88.37 مليار دولار بحلول 2032، في دلالة واضحة على التوجه العالمي نحو رقمنة القطاع وتبني حلول مبتكرة لتحسين تجربة العملاء وتطوير المنتجات والخدمات العقارية.
وفي إطار هذه الجهود، أعلنت الهيئة العامة للعقار عن خطط لرفع عدد شركات التقنيات العقارية من 270 شركة حاليًا إلى 1500 شركة خلال السنوات الخمس المقبلة، بالتزامن مع إطلاق البيئة التجريبية للتقنيات العقارية، التي تهدف إلى اختبار الحلول الرقمية قبل طرحها في السوق، بما يضمن جودة الابتكار واستدامة نمو هذا القطاع الحيوي.
وعلى صعيد النجاحات المحلية، برزت شركة رايز السعودية الناشئة، التي تعمل وفق نموذج "استأجر الآن وادفع لاحقًا"، حيث نجحت في جمع جولة استثمارية بقيمة 35 مليون دولار، فيما تجاوز حجم الطلبات الإيجارية عبر منصتها نصف مليار ريال خلال عامين فقط. وتسعى الشركة للاستحواذ على حصة سوقية تراوح بين 1 و2% من سوق الإيجار السكني في المملكة، في وقت تشهد فيه السوق المحلية اهتمامًا متزايدًا بالتطبيقات العقارية التي تقدم حلولًا مبتكرة لإدارة الإيجارات وتحسين تجربة المستأجرين والملاك.
تشهد السوق العقارية العالمية توسعًا متزايدًا في مفهوم التجزئة العقارية، الذي يتيح للأفراد امتلاك حصص صغيرة من عقارات كبرى، ما يفتح المجال أمام شريحة واسعة من المستثمرين للدخول إلى السوق والمشاركة في مشاريع عقارية كانت سابقًا حكرًا على كبار المستثمرين. وقد نجحت منصة Arrived الأمريكية، المدعومة من شركة أمازون ورجل الأعمال جيف بيزوس، في جمع عقارات بقيمة 213 مليون دولار موزعة على أكثر من 400 وحدة منذ تأسيسها 2019، في خطوة تعكس الإمكانات الكبيرة لهذا النموذج الذي يجعل الاستثمار العقاري أكثر شمولية وشفافية.
وفي السياق نفسه، دشنت منصة Stake في السعودية أعمالها بالشراكة مع شركة الراجحي السابعة الاستثمارية، حيث طرحت أول أصل استثماري يتمثل في مبنى تجاري مُدرّ للدخل في شمال الرياض، بما يعكس الفرص الواعدة لاعتماد هذا النموذج على نطاق أوسع في المنطقة، وتوسيع قاعدة المستثمرين بشكل عام.
وتواصل الهيئة العامة للعقار دورها في تنظيم هذا التحول، من خلال وضع الأطر التشريعية، وضمان الشفافية، ومراقبة جودة الخدمات الرقمية، بما يعزز تنافسية السوق العقارية ويدعم تحقيق مستهدفات رؤية السعودية في بناء اقتصاد أكثر كفاءة وابتكارًا.
وظهر المشهد العقاري في السعودية اليوم كسوق متطورة تعتمد على الابتكار الرقمي، بدءًا من منصات "استأجر الآن وادفع لاحقًا" مثل رايز، وتطبيق "عقار" الذي دخل المنافسة في العام الماضي، مرورًا بالبيئة التجريبية للتقنيات العقارية، ووصولًا إلى نماذج استثمارية مبتكرة مثل التجزئة العقارية، التي تتيح فرصًا متكافئة للمستثمرين وتوسع قاعدة المشاركين في السوق.
ومع توقعات نمو السوق العالمية للتقنيات العقارية إلى أكثر من 88 مليار دولار بحلول 2032، تقف السعودية أمام فرصة إستراتيجية لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي وعالمي رائد في هذا القطاع، بما يعزز تنافسيتها الاقتصادية ويواكب تطلعاتها نحو مستقبل أكثر ابتكارًا واستدامة.
كاتب ومحلل في شؤون المال والأعمال