الهند أمام طريق ضيق في الحرب التجارية بين أمريكا والصين
تجد الهند نفسها حاليًا عالقة بين قوتين عظميين عالميتين. وتواجه هذه القوة الاقتصادية الآسيوية العملاقة رسومًا جمركية بنسبة 50% على معظم صادراتها إلى الولايات المتحدة، إلا أنها تواجه أيضًا علاقة تجارية غير متوازنة بشدة مع الصين. سيكون السير في هذا الطريق صعبًا، لكن النتيجة قد تكون قاعدة صناعية هندية أقوى.
شكلت الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب صدمة للهند، ليس فقط بسبب معدلها المرتفع بشكل مُعيق، ولكن أيضًا لأن معظم الشركاء التجاريين الآخرين لم يُعفوا منها بشكل كبير نسبيًا، حيث لم تتجاوز الرسوم الجمركية 15% إلى 20%.
تتنافس عديد من هذه الدول مع الهند في السوق الأمريكية، وبالتالي ستتمتع الآن بميزة تنافسية كبيرة. تشمل القطاعات التي قد تتأثر بشدة المنسوجات والملابس والسلع الجلدية والأحجار الكريمة والمجوهرات. يواجه منافسو الهند الرئيسيون في هذه المجالات - بنغلاديش وفيتنام في المنسوجات والملابس، وتركيا وتايلاند وفيتنام في الأحجار الكريمة والمجوهرات - جميعهم تعريفات جمركية أقل بكثير.
معاناة العمال
في حين أن صادرات هذه الصناعات الخاضعة الآن لتعريفات جمركية ثقيلة قد لا تمثل سوى نحو 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلا أن هذه القطاعات تمثل نسبة عالية بشكل غير متناسب من سوق العمل في الهند.
في الواقع، توظف هذه القطاعات نحو 55 مليون عامل، أي ما يقرب من خُمس القوى العاملة في المناطق الحضرية في الهند، وفقًا لمكتب المعلومات الصحفية الحكومي ومؤسسة حقوق العلامة التجارية الهندية.
بالطبع، لا يزال الوقت مبكرًا في ظل اضطراب التعريفات الجمركية، لكن بعض أصحاب العمل الهنود الكبار يرسمون بالفعل صورة مقلقة، مشيرين إلى إلغاء الطلبات الأمريكية واحتمال تسريح العمال. لذلك، يمكن أن يكون لهذه التعريفات تأثير اقتصادي كبير، خاصة في وقت يعاني فيه الاستهلاك الحضري من الضعف أصلًا.
محور الاهتمام الصيني
في ظل تصاعد التوترات بين الهند والولايات المتحدة، سعت الهند إلى استقرار علاقتها مع الصين. قد يبدو للوهلة الأولى من غير المنطقي تحويل التركيز من أكبر مستهلك في العالم إلى أكبر مُصنّع عالمي، إلا أنه يبدو أكثر منطقية عند النظر إلى طموحات الهند الصناعية.
شهدت العلاقة بين الهند والصين توترًا في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد الاشتباك العسكري في جالوان في يونيو 2020. فقد تم إيقاف الرحلات الجوية بين البلدين وإصدار التأشيرات السياحية، بينما حظرت الهند عديدا من التطبيقات الصينية وشددت الرقابة على الاستثمارات الصينية المباشرة.
ومع ذلك، يجري الآن رفع هذه القيود تدريجيًا. فلم يقتصر الأمر على استئناف إصدار التأشيرات فحسب، بل تدرس نيودلهي أيضًا خطة للسماح للكيانات الصينية بالاستحواذ على حصص تراوح بين 20% و25% في شركات التصنيع والطاقة المتجددة ومكونات السيارات الهندية. ومع تزايد انحياز الهند علنًا إلى بكين، قد يتسارع هذا التحسن.
لكن على الهند أن تتوخى الحذر. يبقى التحدي الرئيسي هو الموازنة بين مخاوف الأمن القومي والحاجة إلى تعزيز النمو الاقتصادي. إضافةً إلى ذلك، لا تزال العلاقات التجارية غير متوازنة بشكل كبير لمصلحة الصين، حيث ارتفع فائض بكين التجاري بشكل مطرد خلال فترة الجمود الاقتصادي بين البلدين.
ومع ذلك، ليس لدى الهند مجال كبير للمناورة في هذا الصدد، نظرًا لدور الصين المحوري في أهم سلاسل التوريد الهندية.
على سبيل المثال، تعتمد الهند على الصين في استيراد الآلات الصناعية، والمكونات الإلكترونية لتصنيع الهواتف الذكية، والمكونات الصيدلانية الفعالة اللازمة لإنتاج الأدوية الجنيسة.
في حال قطع هذه الواردات، قد تنضب صادرات الهند المعفاة من الرسوم الجمركية من الهواتف الذكية والأدوية الجنيسة إلى الولايات المتحدة بسرعة.
وللحد من الواردات الصينية، ستحتاج الهند إلى نقل المزيد من سلاسل التوريد هذه إلى الداخل، وبالتالي إضافة قيمة أكبر إلى بضائعها المصدرة.
هذا يحدث بالفعل، ولكن ربما ليس بالسرعة الكافية. فقد قدرت دراسة حديثة القيمة المضافة المحلية للهند في تصنيع الهواتف الذكية بنسبة 23% في الفترة 2022-2023. تسعى الحكومة إلى رفع هذه النسبة إلى 40% بحلول 2030.
لذلك، ستتطلب طموحات سلسلة التوريد الهندية استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة، والشركات الأكثر ملاءمة لتوفير ذلك هي الشركات الصينية، لما تتمتع به من قدرات تصنيعية مثبتة وحجم هائل.
هذا يعني أن تحول الهند نحو الصين قد يأتي في وقت مناسب، ولكن لتحقيق الاستفادة الكاملة، ستحتاج الهند إلى اتباع إستراتيجية قائمة على تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني، واستيراد مهارات الإنتاج الصينية، وفي نهاية المطاف، تسهيل نقل التكنولوجيا.
التعويضات
في النهاية، إذا أرادت الهند توسيع أسواق صادراتها، فستحتاج إلى تسوية خلافاتها مع أكبر شريك تجاري لها، الولايات المتحدة.
سياسة الطاقة هي نقطة انطلاق. نصف معدل التعريفة الجمركية الأمريكية على الهند هو عقوبة لشراء النفط الروسي، الذي يضعف مبرره الاقتصادي. أسعار النفط الروسي والشرق أوسطي تتقارب تدريجيًا.
ضجيج تصالحي من كلا الجانبين
هناك بعض الأمل. تُعدّ تصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت حول "حل هذه الأزمة" بين البلدين، وتوقعات وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش غويال بالتوصل إلى اتفاق تجاري بحلول نوفمبر، بمثابة بصيص أمل في مشهد اقتصادي قاتم.
هذا أمر جيد، لأن الهند ستحتاج إلى كل ما يمكنها الحصول عليه من ضوء في محاولتها إيجاد طريقها بمهارة بين عملاقين اقتصاديين.
كاتب في وكالة رويترز والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إيمر كابيتال بارتنرز المحدودة، ورئيس أبحاث أسهم منطقة آسيا والمحيط الهادئ في بي إن بي باريبا للأوراق المالية سابقا