الجافورة تضع الغاز على خريطة أرامكو السعودية

تقف أرامكو السعودية على بُعد أسابيع قليلة من بدء الإنتاج في مشروع الجافورة للغاز الطبيعي، أكبر حقل غاز غير تقليدي في منطقة الخليج، وحجر الأساس في خطة الشركة لتوسيع إنتاج الغاز السعودي بنسبة 60% بحلول 2030.

لطالما غطّى إنتاج أرامكو السعودية الرائد عالميًا من النفط الخام على إنتاجها من الغاز، رغم أن شبكة الغاز الرئيسية (MGS) التي تم تطويرها في سبعينيات القرن الماضي، وفرت إنتاجًا نفطيًا بكثافة حرق منخفضة للغاية، وأصبح إنتاج الغاز الطبيعي المصاحب وسوائل الغاز الطبيعي (NGL) ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية المحلية. والآن، يبدو أن مشروع تطوير الجافورة باستثمار بلغ 100 مليار دولار أمريكي، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج به في الربع الرابع من هذا العام، سيصبح أحدث ركيزة في مسيرة أرامكو السعودية لتحقيق الدخل من الأصول.

وقد وقّع ائتلاف بقيادة شركة الاستثمار الأمريكية "بلاك روك" الشهر الماضي صفقة استئجار وإعادة تأجير بقيمة 11 مليار دولار أمريكي مع أرامكو السعودية تغطي أصول مشاريع المعالجة والنقل في الجافورة. وشملت الصفقة بيع حصة 49% في شركة الجافورة لنقل ومعالجة الغاز (جي إم جي سي)، وهي شركة تابعة حديثة التأسيس، ستقوم باستئجار حقوق التطوير والاستخدام لمعمل الغاز في الجافورة، ومرفق رياس لتجزئة سوائل الغاز الطبيعي، وإعادة تأجيرها مرة أخرى إلى أرامكو السعودية لمدة 20 عامًا. وستحصل شركة "جي إم جي سي" على تعرفة تدفعها أرامكو السعودية مقابل منحها الحق الحصري في استلام ومعالجة الغاز الخام المستخلص من الجافورة.

ومع احتياطيات في الموقع تبلغ 229 تريليون قدم مكعبة قياسية، ما يساوي (6.87) تريليون متر مكعب من الغاز الخام، و75 مليار برميل من المكثفات، تُعد الجافورة واحدة من أكبر مشاريع تطوير الغاز غير المصاحب في السعودية. وبحسب أرامكو فإن إنتاج غاز البيع من المرحلة الأولى للمشروع سيبدأ بمعدل 200 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا، ليرتفع إلى نحو 650 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا بحلول نهاية 2026. ومن المقرر البدء في تشغيل المرحلة الثانية في 2027، وستُسهم في رفع الإنتاج بشكل مطّرد إلى ملياري قدم مكعبة قياسية يوميًا بحلول نهاية هذا العقد. وتعمل أرامكو السعودية حاليًا على توسعة المرحلة الثالثة من شبكة الغاز الرئيسية، والتي سترفع طاقتها الإنتاجية بنحو 3.15 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا لتصل إلى 12.5 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا بحلول عام 2028 من خلال تركيب نحو 4000 كيلومتر من خطوط الأنابيب، و17 وحدة جديدة لضغط الغاز.

يُعدّ تطوير الجافورة جزءًا أساسًا من خطة أرامكو السعودية لزيادة إنتاجها من غاز البيع بأكثر من 60% بحلول نهاية العقد. ونظرًا لأن أرامكو السعودية تعتمد في هذا النمو على خط أساس لعام 2021 يبلغ 9.2 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا، فإن هذا يعني إنتاجًا لا يقل عن 14.72 مليار قدم مكعبة قياسية يوميًا بحلول عام 2030، حيث يُحقق الجافورة ما يزيد على ثلث هذه الزيادة.

رغم أن السعودية تُعد بالفعل من بين أكبر 10 منتجين للغاز - الثامنة في الترتيب، وفقًا لأحدث مراجعة إحصائية من معهد الطاقة – إلا أن الحجم الهائل لسوقها المحلي يستوعب إنتاجها. وهذا التوسع الأخير يبدو مركزًا على التنمية الاقتصادية المحلية.


سوق واعدة، طاقة منخفضة التكلفة


تتمتع أرامكو السعودية بمخاطر منخفضة، وسوق واعدة، وعوائد تجارية لأعمال الغاز المتنامية. وتأمل أن يجذب ضمان انخفاض تكاليف الطاقة، الاستثمار الأجنبي في قطاعي الصناعة والتعدين، وكذلك في تطوير مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، كجزء من برنامج التنويع الاقتصادي الطموح للبلاد (رؤية 2030).

جذبت السعودية 119 مليار ريال (31.7) مليار دولار أمريكي في الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2024، وفقًا للأرقام الرسمية المنشورة الأسبوع الماضي، والتي رغم ارتفاعها بنسبة 23% على أساس سنوي، إلا أنها كانت متماشية مع استثمارات عام 2022 وأقل بقليل من التدفق القياسي البالغ 122 مليار ريال المسجّل في عام 2021.

يأتي توليد الكهرباء في السعودية حاليًا بشكل أساس من خلال حرق الغاز الطبيعي والسوائل مثل النفط الخام وزيت الوقود. وتشير التقديرات الداخلية إلى أن مزيج الغاز والسوائل يُشكل نحو 57%، بينما يُشكل النفط 43%. وهذا يجعل البلاد أكبر مستهلك للنفط لتوليد الطاقة في العالم.

ووفقًا لأحدث الأرقام الصادرة من مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي)، بلغ متوسط حرق السوائل في السعودية أقل بقليل من مليون برميل يوميًا العام الماضي، وذلك أقل بقليل من العام السابق.

وفي النصف الأول من هذا العام، أحرقت السعودية 822,000 برميل يوميًا من السوائل، متماشية إلى حد كبير مع معدل الأشهر الـ6 المقبلة في 2024.

لكن مع جهود البلاد بالفعل للحدّ من حرق الوقود السائل لتوليد الطاقة بحلول نهاية العقد، واستبداله بمزيج من الغاز والطاقة المتجددة، فإن التأثير غير المباشر للتوسع الحالي في استخدام الغاز سيكون محسوسًا بشكل مباشر في أسواق النفط العالمية.

وبحسب أرامكو السعودية فإن برنامج إزاحة الوقود السائل سيوفر نحو مليون برميل يوميًا من النفط الناتج من الحرق المباشر، والذي قد يُستخدم للتصدير. لكن بعد ذلك، يمكن لأرامكو السعودية أيضًا أن تتطلع إلى إنتاج مليون برميل مكافئ نفطي إضافي يوميًا من السوائل المصاحبة من الجافورة ومشاريع تطوير الغاز الأخرى التابعة لها حتى 2030، والتي يمكن تحقيق الدخل منها وإتاحتها للتصدير.


بحلول عام 2030، من المقرر أن تنتج الجافورة نحو 420 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًا من الإيثان، ونحو 630,000 برميل يوميًا من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات كمنتجات ثانوية للغاز. وسيتم إرسال الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي من الجافورة إلى معمل التجزئة في رياس، الذي يتم بناؤه كجزء من مشاريع تطوير المرحلة الثانية، بينما ستُرسل المكثفات إلى فرضة الجعيمة حيث تتوسع أرامكو السعودية في مرافق التخزين والتصدير.

وتتوقع أرامكو السعودية الحصول على تدفقات نقدية إضافية بقيمة 9-10 مليارات دولار أمريكي سنويًا بحلول نهاية العقد نتيجة لتطوير الجافورة ومشاريع الغاز الأخرى المخطط لها.

من المتوقع أن تُسهم طموحات أرامكو السعودية في نمو أعمال الغاز في تحقيق مستهدفات الحياد الصفري لكل من الشركة والسعودية. وتهدف أرامكو إلى تحقيق الحياد الصفري لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في النطاق 1 والنطاق 2 بمرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول 2050، بينما تستهدف السعودية تحقيق الحياد الصفري لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول 2060.


الغاز الفائض


يبدو من الواضح أن توسع أرامكو السعودية في إنتاج الغاز سيُوجه أساسًا إلى الداخل لتلبية الطلب المحلي، وإمداد أعمالها المتنامية في قطاع التكرير والكيميائيات والتسويق، والصناعات البتروكيميائية، مع توجيه أي فائض محتمل نحو إنتاج الهيدروجين الأزرق والأمونيا.

تتخذ طموحات أرامكو السعودية المتنامية في مجال الغاز الطبيعي المُسال شكلًا أوضح، حيث قال رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، المهندس أمين الناصر، الشهر الماضي، إنها تهدف في النهاية إلى 20 مليون طن سنويًا من الغاز الطبيعي المُسال في محفظة أعمالها. في الوقت الحالي، اقتصر الاستثمار نحو هذا الهدف طويل المدى إلى حد كبير على عقود شراء الغاز الطبيعي المُسال في الخارج، وبناء قدراتها التجارية من خلال عمليات الاستحواذ، بدلًا من إنتاج الغاز الطبيعي المُسال محليًا.

لكن قرار الشركة في وقت سابق من هذا العام بخفض هدفها لعام 2030 لإنتاج الأمونيا الزرقاء بأكثر من 75% إلى 2.5 مليون طن سنويًا من 11 مليون طن سنويًا من قبل، بسبب غياب اتفاقيات الشراء طويلة المدى، قد يفتح الباب لها لمواصلة إنتاج الغاز الطبيعي المُسال المحلي.

"الإمكانية موجودة"، يقول أحد مصادر القطاع. من ناحية، فإن أسعار الغاز التنافسية في السعودية وموقعها المتميّز إستراتيجيًا بالنسبة للسوق الأوروبية يؤهلانها لتكون في وضع جيد. ومن ناحية أخرى، بالنسبة لشركة مثل أرامكو السعودية، مع عقود من الخبرة في بناء مرافق النفط والغاز الرئيسة، فإن بناء مرافق التسييل "ليس تحديًا كبيرًا"، بحسب المصدر.

ولكن حتى لو تحولت أرامكو السعودية إلى إنتاج الغاز الطبيعي المُسال محليًا، فإن بناء محطات التسييل الجديدة يستغرق عادة بضع سنوات، وذلك دون احتساب أي وقت لتسويق الإنتاج المخطط قبل الإغلاق المالي. وهذا من شأنه أن يجعل أي إنتاج محتمل للغاز الطبيعي المُسال في السعودية خلال السنوات الأخيرة من هذا العقد، قريبًا أكثر من أي وقت ممكن.


محرر أول لشؤون الطاقة ـ منصة أرجوس ميديا البريطانية

 

*نقلًا عن منصة أرجوس ميديا البريطانية:

https://www.argusmedia.com/en/news-and-insights/latest-market-news/27288...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي