جولينا ليو: قطاع السيارات الصيني واسع بدرجة لا تخدم مصلحته
التنافس بين الشركات الصينية تحول إلى حرب أسعار ومتوسط تخفيضاتها فاق 15%
منذ قرن اتسعت صناعة السيارات الأمريكية بجنون ثم حدثت الاندماجات وتمكنت 3 شركات فقط من الاستمرار
تُنتج الصين حالياً سيارات تحت أكثر من 150 علامة تجارية، بينها 130 شركة تصنع مركبات كهربائية
أدى التنافس الشرس إلى خفض "BYD" هدف مبيعاتها السنوي 16% واضطرت تسلا لخفض الأسعار في أوروبا
يُقدّم تطور صناعة السيارات الأمريكية درساً مهماً للداعمين الماليين الأثرياء لشركات صناعة السيارات الصينية: اتركوا الأمور تمضي في مسارها الطبيعي دونما تدخل.
يُتوقع أن تلقى هذه الرسالة صدىً لدى مئات الآلاف من عشاق السيارات في معرض ميونيخ للسيارات هذا الأسبوع. إذ أنهم سيجدون نحو 100 من شركات صناعة السيارات والموردين الصينيين، مُستعدين للتنافس فيما بينهم لزيادة المبيعات في أوروبا.
يوجد اليوم نحو 150 علامة تجارية مُختلفة تُنتج سيارات الركاب في الصين، وفقاً لشركة الاستشارات ”أليكس بارتنرز“ (AlixPartners، منها نحو 130 علامة تُصنّع سيارات كهربائية. من أبرز الأسماء المحلية في هذا المجال شركة ”بي واي دي“ (BYD)، وشركة ”جيلي أوتوموبيل هولدينجز“ (Geely Automobile Holdings)، وشركة ”تشونجتشينج تشانجان أوتوموبيل“ (Chongqing Changan Automobile).
استعراض القوة هذا ليس مُجرد تذكير آخر ببراعتهم التقنية التي لا يمكن إنكارها وهيمنتهم العالمية المُتنامية. إنها أيضاً علامة على أنه بعد حوالي 20 عاماً من انطلاق صناعة السيارات الصينية بكامل طاقتها، يبحث القطاع الآن عن أسواق جديدة نظراً لضخامته محلياً التي تزيد صعوبة إدارته.
هل التشجيع على الإغلاق حل؟
إن الحكومات الإقليمية والمحلية، التي غالباً ما تدعم هذه الشركات، جزء من المشكلة. وكانت النتيجة حرب أسعار مدمرة لا يمكن حلها إلا بالسماح بالاندماجات وتشجيع الشركات الأقل تنافسية على الإغلاق. هذا ما حدث قبل 100 عام في سوق يمكن مقارنتها بالسوق الصينية وهي الأمريكية.
يلخص الرسم البياني أدناه ما يحدث. ما تزال الطاقة الإنتاجية للصناعة الصينية، الناتجة عن كثرة اللاعبين، أعلى بكثير من إنتاجها. كان الوضع جيداً، بل ومنطقياً، قبل أكثر من 10 سنوات عندما كانت المبيعات ما تزال تنمو بشكل موثوق بنسب مئوية من خانتين.
في أيام الازدهار تلك، كانت الإستراتيجية الذكية هي الاستثمار في الطاقة الإنتاجية قبل تلمّس الطلب. لو فشل مصنعو السيارات في تحقيق ذلك، لفقدوا القدرة على استقطاب المبيعات والحصص السوقية، متقدمين على منافسيهم الذين يفتقرون إلى القدرة التصنيعية نفسها. مع ذلك، بدأ الطلب بالتباطؤ بحلول 2011، ورغم مرور سنوات جيدة هنا وهناك، يبدو أن كثير من مصنعي السيارات ينكرون انتهاء أيام مجدهم.
أخبرني ستيفن داير، المدير الإداري في ”أليكس بارتنرز“ والمدير التنفيذي السابق في شركة ”فورد موتور“ في شنغهاي: "لقد بُنيت الطاقة الإنتاجية قبل الطلب لكن الطلب لم يأت قط".
لهذا ورغم أنها تبدو كقوة ضاربة من بعيد، تعاني الصين داخلياً مما يسميه الصينيون “نيجوان" وهي كلمة تعني الانتكاس وتشير إلى مفهوم اجتماعي متعدد المعاني يعكس في هذه الحالة شدة التنافس، وهي تتسم بحروب أسعار يمكن أن تكون لها عواقب بعيدة المدى تتجاوز المشاركين المباشرين.
بيّنت بلومبرغ إنتليجنس، أن متوسط خصم السعر الشهري (باستثناء السيارات المستوردة) تراوح بين 15% و17% في النصف الأول من هذا العام - وهو أعلى مستوى في السنوات الخمس الماضية. هذا على الرغم من جهود الحكومة المركزية لكبح جماح المنافسة الشديدة.
الكبار يدفعون أثماناً
فاجأت شراسة هجوم الشركات الصغيرة شركة ”بي واي دي“، الرائدة في السوق، ما أجبرها على خفض هدف مبيعاتها السنوي بنسبة 16%، وفقاً لما أوردته ”رويترز“ الأسبوع الماضي، وهذا دفع سعر سهمها لانخفاض شديد. وما تزال ”تسلا“، التي كانت أول من خفض الأسعار في أواخر 2022، حاضرة بقوة في هذا الصراع، إذ تقدم مرة أخرى خصومات وضروباً أخرى من الحوافز لتتفوق على منافسيها.
هذا المستوى من المنافسة ليس بدعةً بلا سابقة. كتب مؤرخ صناعة السيارات جيمس جيه. فلينك، أن 485 شركة - كثير منها تصنع عربات تجرها الخيول - بدأت في إنتاج السيارات في الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن العشرين.
بحلول عام 1908، عندما قدم هنري فورد طراز (T) وأسس ويليام ديورانت شركة ”جنرال موتورز“، لم يتبق سوى نصف هذه الشركات نشطاً، وتقلصت الأعداد أكثر مع نضوج الصناعة. بحلول ثلاثينيات القرن الماضي، ومع تأثرها بالكساد الكبير، لم يبقَ سوى شركات ديترويت الثلاث الكبرى، ومنها ”كرايسلر“، ومهدت الطريق للعصر الذهبي لصناعة السيارات الأمريكية بعد عقود.
يمر قطاع السيارات في الصين بمرحلة انتقالية شاقة. في 2019، كان لدى البلاد حوالي 500 شركة مسجلة لتصنيع السيارات الكهربائية. وقبل عامين، كان حوالي 80% منها قد غادر السوق أو أوشك على الإفلاس. لكن لم تحدث أي اندماجات مجدية منذ ذلك الحين، حتى مع تعثر بعض الأسماء الواعدة مثل ”دبليو إم موتور“ (WM Motor) و“نيتا أوتو“ (Neta Auto) و“يه يو“ (Jiyue).
كتبت جوانا تشين، المحللة لدى ”بي آي“ (BI)، في تقرير حديث أن الدمج ضروري لترويض المنافسة وزيادة الربحية. لكن هذه العملية كانت بطيئة، على عكس ما حدث في عشرينيات القرن الماضي، عندما اختفت مئات من شركات صناعة السيارات الأمريكية الصغيرة بسبب ضغوط السوق، فإن التمويل المتاح بسهولة من مستثمرين ذوي موارد جيدة في الصين يُبقي الشركات الأقل تنافسية نابضةً.
مفاهيم محلية
إن الرغبة في إيجاد وتمويل شركة تشبه ”تسلا“ أو ”بي واي دي“ أمر مفهوم في السياق السياسي الصيني، نظراً لأن الترقيات في المناصب الحكومية غالباً ما ترتبط بمؤشرات أداء رئيسية مثل خلق فرص العمل. تُعدّ صناعة السيارات ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد، حيث تُوظّف حوالي 5.6 مليون شخص، وتكتسب أهمية بالغة خلال فترات الركود.
تمكنت الصناعة الأمريكية من تحقيق إندماجات ناجحة من خلال تقليص عدد اللاعبين دون التأثير في عدد السيارات المبيعة. ورغم اختلاف الظروف، يصعب فهم سبب عدم قدرة الصين على اتباع مسار مشابه. ينبغي أن يشعر صانعو السيارات بالقدرة على التخلص من خطوط الإنتاج ضعيفة الأداء وتعظيم كفاءتهم.
أثار هي شياو بنج، المؤسس المشارك لشركة صناعة السيارات الكهربائية حديثة الصعود ”شاوبنج“ (Xpeng)، ضجةً كبيرةً في تصريح عبر بودكاست قال فيه: إن الدمج سيتطلب نحو 5 سنوات. وتنبأ بألا يبقى سوى 5 لاعبين محليين بنهاية "جولة الضربة القاضية". قد يكون هذا التوقع متطرفاً بعض الشيء، لكنه يُمثل اختباراً واقعياً مُقلقاً لصناعة تحتاج إلى تقليص حجمها للحفاظ على تقدمها.
كاتبة في بلومبرغ أوبينيون الآسيوي، وتغطي إستراتيجية الشركات وإدارتها في المنطقة. كبيرة محرري الأعمال في شبكة سي إن إن لمنطقة آسيا، ومراسلة لقناة بي بي سي نيوز ورويترز سابقا
خاص بـ "بلومبرغ"