سرعة اكتساب المهارات .. كود سحري في المؤسسات الناجحة

ثمة ملاحظات لافتة في دراسة حديثة نشرتها شركة جوش بيرسن The Josh Bersin Company شارك فيها إعدادها خبراء عالميين للموارد البشرية والمهارات. الملاحظات في مجملها تتمحور حول وجود فجوة أداء بين أفضل المنظمات بغض النظر أكانت تلك الجهات شركات خاصة أم منشآت حكومية، بسبب مدى سرعة اكتساب الموظفين للمهارات.
الدراسة خلصت إلى أن أداء المؤسسات بشكل عام لا يتعلق بمدى كفاءة القدرات البشرية فحسب، بل بالسرعة التي تستطيع بها المؤسسة اكتساب وتطبيق مهارات جديدة ذات تأثير عالي. يطلق على هذه الديناميكية اسم "سرعة المهارات". إن المنظمات التي تتصدر المشهد اليوم تفعل ذلك لأنها تتعلم وتتكيف وتنفذ التقنيات والممارسات والنماذج الجديدة بشكل أسرع من نظيراتها. وفي عالم سريع التغير فإن السرعة تتفوق على الخبرة التي لا تواكب التغيرات ومنها الاحتياج المتغير لمهارات بحسب معطيات عديدة.
من خلال مجموعة من المؤشرات والبيانات التي تعكس مدى استجابة المؤسسة للتغيرات السريعة في سوق العمل، من خلال محورين من المؤشرات: مؤشرات على المستوى وطني، تتضمن التحول الرقمي، برامج التدريب والتأهيل، تصنيف المهارات، المهارات المطلوبة للمستقبل، ومؤشرات على مستوى المنظمة، تتضمن متوسط زمن إغلاق الفجوة المهارية، وهو الوقت الذي تستغرقه الشركة لتدريب موظف على مهارة جديدة أو توظيف شخص يمتلكها، وهو معدل مشاركة الموظفين الذين يشاركون بانتظام في برامج لتطوير مهاراتهم، ومعدل الموظفين الذين يتم تدريبهم للانتقال إلى أدوار جديدة أو رفع مستوى مهاراتهم الحالية.
إن الفارق الحقيقي في سرعة اكتساب المهارات بين موظفين في مؤسسة ما يزداد وضوحًا عندما نتعمق أكثر في سلوكيات تلك المؤسسات. إن ما تم اكتشافه هو أن هذه المنظمات تعمل بمنهجية مختلفة جذريًا تجاه المهارات. إذ إنها تركز على 6 أمور بصفة رئيسية، وهي:
أولا: استخدام الذكاء الاصطناعي للنمو: تستخدم المنظمات الرائدة الذكاء الاصطناعي لتعزيز النمو وليس لخفض التكاليف فحسب، وهي في إطار ذلك تستثمر في المواهب بمعدلات أعلى بكثير. كما أنها تركز بشكل شبه دائم ليس على تقليل المهام الإدارية، بل على أتمتة سير العمل، وتعزيز عملية اتخاذ القرار، وتحسين دقة التنبؤ وتخصيص تجربة العملاء.
ثانيا: الابتكار المستمر كفلسفة أساسية: إن الابتكار المستمر لا يقتصر على البحث والتطوير، بل ينبغي أن يكون مترسخاً في ثقافة وطريقة إنجاز المهام في المؤسسة. إذ إن ترسيخ المؤسسات لمنهجية التفكير التصميمي، خاصة بين فرق الخطوط الأمامية يعمل على تمكين هذه العقلية من التكرار السريع والاستجابة في الأسواق سريعة التغير.
ثالثا: المرونة في تطوير نماذج أعمال: تتعامل المنظمات الفاعلة مع العمل على أنه ديناميكي ومتطور باستمرار، ويتشكل حسب احتياجات العمل المتغيرة والتقنيات المتقدمة. فبدلاً من مجرد إضافة أدوات جديدة إلى طريقة عمل قديمة، فإنها تعيد التفكير في الأدوار في خط الإنتاج من الألف إلى الياء وذلك من أجل زيادة القيمة مع إكسابها مرونة أعلى للتعاطي الملائم مع المستجدات. وفي هذا السياق فإن على فرق الموارد البشرية إعادة تأهيل القوى العاملة باستمرار ومواءمة المهام الوظيفية مع الأولويات الإستراتيجية. ولذا فإن النتيجة ستثمر عن نوع جديد من الموظفين هم أولئك ممن يمكن الإشارة لهم بجلاء بأنه متعددي المهام، الذين يتميزون بالمرونة والتمكّن والجاهزية لتحقيق تأثير إيجابي أكبر لهم وللمؤسسة في آن معا.
رابعا: كثافة المواهب: تُعطي المؤسسات المتفوقة الأولوية لجودة المواهب على حساب كمية الموظفين. فهي تُعزز ثقافات الأداء العالي من خلال التوظيف والتطوير والاحتفاظ بالأفراد الذين لا يمتلكون مهارات عالية فحسب، بل يتميزون بالقابلية العالية للتكيف والنمو مع المتغيرات في متطلبات سوق العمل.
خامسا: الانتقال من إدارة التغيير إلى مرونة التغيير: لا تتوانى المنظمات الناجحة بالاستثمار في مؤسسات ذات موثوقية في بناء القدرات والتعلم المخصص، لضمان تطور المهارات بالتزامن مع احتياجات العمل. فهي تنظر إلى التحول ليس كمشروع، بل كحالة مستمرة، وتُدمج مرونة التغيير في ثقافتها، وأدوارها، وتصميمها التنظيمي، بحيث تعطى الأولوية لأدوار مثل مديري التغيير ومحللي البيانات، وتعمل على دمج بيانات القوى العاملة والعمليات والسوق لتمكين اتخاذ قرارات أذكى وفي الوقت الفعلي.
سادسا: الموارد البشرية المنهجية: ترتقي المؤسسات الناجحة بالموارد البشرية لتصبح محركًا منهجيًا، قائمًا على البيانات، لتحقيق تأثير على مستوى المؤسسة. ولذا ينبغي ألا ينظر إلى هذا العمل على أن مجرد تحديث لتوصيف المهام أو الآليات المتبعة في نظم قطاعات الموارد البشرية في تلك المؤسسات، بل هو تحول جذري نحو ممارسات مواهب متكاملة ومُواءمة مع الأعمال المتسارعة.
ولذا يمكن القول بجلاء، أنه إذا أرادت المنظمات أن تؤدي أدوارها بفاعلية أكبر لتحقيق مستهدفاتها، فإن الأمر لا ينطوي على استقطاب حملة الشهادات العليا أو المتخصصة أو ذوي الخبرة العميقة، بل الإيمان أولًا ومن ثم العمل الفاعل في تطوير القدرة على بناء القدرات وسرعة المهارات من أجل تحقيق تأثير ملموس. إن الأمر لم يعد يتعلق بما نعرفه فحسب، بل بالسرعة التي يمكننا بها التعلم، وهو ما يجعل سرعة تعلم المهارات واكتسابها بمثابة كود سحري يدفع المؤسسات نحو القمم.

*مختص في الموارد البشرية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي