هل يعاني الاقتصاد الأمريكي بسبب الرسوم أم لأنه يدمن عليها؟

بغض النظر عما ستقرره المحاكم في نهاية المطاف، فإن فرص التوصل إلى هبوط سلس تتضاءل

  • الخطر الحقيقي يكمن في إدمان الولايات المتحدة على إيرادات الرسوم الجمركية

هل يُمكن أن تكون معظم الرسوم الجمركية التي صدم بها الرئيس دونالد ترمب العالم غير قانونية حقاً؟ قد تُقدّم المحكمة العليا إجابةً في الأشهر المقبلة، أما في غضون ذلك، فستزداد مهمة إدارة الاقتصاد الأمريكي صعوبةً.
أعطت محكمة الاستئناف الأمريكية للمنطقة الاتحادية ترمب مهلةً حتى 14 أكتوبر ليستأنف ضد حكمها الذي قضى بأنه تجاوز سلطته بفرض رسوم جمركية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية.
إذا وافقت المحكمة العليا، سيكون الكونجرس في نهاية المطاف من يملك السلطة الدستورية الوحيدة لفرض الضرائب والإنفاق. وقد تنخفض نسبة الواردات الأمريكية الخاضعة للرسوم إلى نحو 16% من حوالي 70%، وفقاً لمؤسسة الضرائب.
مع ذلك، لا داعي ليتراجع ترمب عند ذلك، إذ يُمكنه فرض رسوم جمركية لأسباب تتعلق بالأمن القومي (المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962)، أو ممارسات تجارية غير عادلة (المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974)، أو عجز تجاري مستمر (المادة 122، نفس المادة). جميع هذه الأساليب تنطوي على نقاط ضعف، وتنذر بدرجات متفاوتة من التعقيد والتأخير ومزيد من النزاعات القانونية.
هكذا، تزايدت حالة عدم اليقين بشأن مستوى ونطاق الرسوم الجمركية مجدداً، مع عواقب سلبية على الاقتصاد. أولاً: ستؤثر هذه الرسوم في قرارات الاستثمار والتوظيف، ما يُضعف النمو. وستتردد الشركات بشكل مفهوم في تقديم التزامات كبيرة في ظل تغير قواعد اللعبة بسرعة.

ما الأثر في عمل الاحتياطي الفيدرالي؟

ثانياً: ستُعقّد هذه الرسوم عمل الاحتياطي الفيدرالي، في وقت كان مسؤولوه على وشك البدء في خفض أسعار الفائدة كما طالب ترمب منذ فترة طويلة. ويُرجح بأن تكون الشركات أبطأ في تحميل المستهلكين زيادات التكاليف، ما يُصعّب على الاحتياطي الفيدرالي تحديد ما إذا كان ارتفاع التضخم سيكون مؤقتاً أم أكثر استمراراً، وبالتالي ما إذا كان التضخم أم ضعف سوق العمل هو الخطر الأكبر. قد يُربك هذا الجهود المبذولة لتحقيق "هبوط هادئ"، حيث يتمكن البنك المركزي من خفض التضخم إلى هدفه البالغ 2% دون التسبب بركود اقتصادي.
ثالثاً: قد يُلقي بظلاله على التوقعات المالية للحكومة الأمريكية. تُدرّ الرسوم الجمركية إيراداتٍ كبيرة- ما يقارب 30 مليار دولار في يوليو، أي أكثر من 3 أضعاف مستواها قبل عام. صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت بأن الدخل السنوي قد يتجاوز 500 مليار دولار، أي ما يعادل ربع عجز الموازنة الضخم. إذا لم تُحصّل هذه الإيرادات، فقد يزداد قلق المستثمرين بشأن التوقعات المالية ويقلّ استعدادهم لإقراض الحكومة الأمريكية، ما سيرفع أسعار الفائدة طويلة الأجل.
كما تُظهر الإيرادات مدى صعوبة إلغاء الرسوم الجمركية لاحقاً، في حال استمرارها. لن تتمكن أي إدارة مستقبلية من خفض 500 مليار دولار سنوياً من الإنفاق. معظم النفقات الاتحادية تُخصّص لمجالاتٍ لا تُمسّ، وهي الدفاع والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي وخدمة الدين، ويُتوقع أن ترتفع القطاعات الثلاثة الأخيرة ارتفاعاً حاداً خلال العقد المقبل.
يُعدّ تعزيز الدخل الضريبي مُجدياً اقتصادياً، إذ تُمثّل إيرادات الحكومة الاتحادية الأمريكية نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل بكثير من مثيلاتها في معظم الدول المتقدمة الأخرى. لكنها محفوفة بالمخاطر السياسية، نظراً لما قد تجلبه من زياداتٍ كبيرةٍ جداً على الأسر والشركات.
لذا، قد لا تكون فترة أخرى من عدم اليقين هي النتيجة الأسوأ، بل إدمان أمريكا على عائدات الرسوم الجمركية.

باحث في مركز دراسات السياسات الاقتصادية ـ جامعة برينستون. رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ونائب رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. كبير الاقتصاديين الأمريكيين في جولدمان ساكس سابقا

خاص بـ "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي