من التنقل بين الوظائف إلى التشبث بها: ملامح سوق العمل الأمريكي في 2025

من التنقل بين الوظائف إلى التشبث بها: ملامح سوق العمل الأمريكي في 2025

من التنقل بين الوظائف إلى التشبث بها: ملامح سوق العمل الأمريكي في 2025
بلومبرغ

يشير تقرير حديث لبنك أوف أمريكا إلى أن ظاهرة التنقل المتكرر بين الوظائف، التي سادت خلال فترة ما بعد الجائحة، بدأت تتراجع بشكل ملحوظ، لتحل محلها ظاهرة جديدة يمكن تسميتها بـ"التشبث بالوظائف"، حيث يفضل الموظفون البقاء في أماكن عملهم وسط حالة من القلق وعدم اليقين الاقتصادي.

خلال عامي 2021 و2022، كانت سوق العمل الأمريكية تعيش ذروة ما عرف بـ"الاستقالات الكبرى"، إذ شهدت موجات واسعة من التنقل بين الوظائف بدعم من انخفاض معدلات البطالة وارتفاع الطلب على العمالة.

لكن بحلول 2025، يبرز توجه مختلف تمامًا، حيث يُظهر تقرير بنك أوف أمريكا أن معدلات التنقل الوظيفي تراجعت بشكل حاد، في إشارة إلى أن الموظفين أصبحوا أكثر حذرًا وتمسكًا بوظائفهم.

وصف تقرير شركة كورن فيري الاستشارية هذا الشهر بيئة العمل الحالية تدفع العمال إلى "حالة تشبث حقيقية"، حيث قال إن الموظفين "يتمسكون بوظائفهم وكأن حياتهم تعتمد عليها".

هذا التحليل جاء بعد صدور تقرير صادم من مكتب إحصاءات العمل الأميركي عن شهر يوليو، كشف عن تباطؤ كبير في نمو الوظائف خلال مايو ويونيو، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إقالة رئيس المكتب على الفور.

ستاسي ديكسارو، مستشارة في كورن فيري، أوضحت في تصريح لمجلة فورتشن أن "الزخم الذي أعقب فترة كوفيد، مصحوبًا بموجات التسريح المستمرة، جعل الموظفين يترددون في تغيير وظائفهم. لم يعد أحد يرغب في المغادرة إلا إذا كان غير راضٍ تمامًا أو فقد ثقته بالشركة".

استخدم بحث بنك أوف أمريكا بيانات حسابات ودائع مجمعة ومجهولة المصدر لملايين العملاء لتتبع الانتقالات الوظيفية، أو ما يُعرف بـ "J2J"، وتحديد المعدل من خلال تحديد التغييرات في كشوف الرواتب داخل حسابات الودائع.

يتوافق هذا مع البيانات الفيدرالية من مسح JOLTS، الذي يتتبع "معدل الاستقالة" شهريا، والذي يُظهر أن معدل الاستقالة في يوليو كان الأدنى منذ ديسمبر.

كما فقد التنقل الوظيفي ميزة أساسية كان يتمتع بها: المكاسب المالية الكبيرة. ففي حين كانت زيادات الرواتب للمُتنقلين بين الوظائف تصل إلى 20% في 2022، انخفضت إلى 7% فقط في يوليو 2025، أي أقل حتى من متوسط زيادات رواتب الملتزمين بوظائفهم. ووفق بيانات الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، تساوى نمو الأجور بين الملتزمين بوظائفهم والمغيرين لها بين مايو ويوليو، وهو أمر لم يحدث منذ 2010 أثناء التعافي البطيء من الأزمة المالية العالمية.

سُجلت أكبر التراجعات في القطاعات ذات الطابع المكتبي مثل التمويل والخدمات المعلوماتية والأعمال، بينما ظل النشاط أعلى قليلًا في الصناعات التحويلية والإنشاءات التي تعاني نقصًا في العمالة وتدفع أجورا أسبوعية.

لكن هذا الثبات لا يعني رضا الموظفين؛ إذ كشف تقرير حديث من جلاسدور أن 65% من الموظفين يشعرون بأنهم "عالقون" في وظائفهم، بالتوازي مع ارتفاع ظواهر مثل "الاستقالة الصامتة" وعدم الاندماج، والتي كلفت الاقتصاد العالمي 438 مليار دولار في 2024 وفق تقديرات جالوب.

أما الشباب، فالوضع أكثر تعقيدًا. يشير بنك أوف أمريكا إلى أن الباحثين عن عمل من دون خبرة شكلوا 13% من إجمالي العاطلين في يوليو، وهي أعلى نسبة منذ 1988. وبلغت البطالة بين الشباب 7.4% في يونيو، بينما يعاني الكثير منهم من تراجع فرص التدريب العملي والتعليم المهني نتيجة التحولات الاقتصادية والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي. ويقدر البنك أن نحو 289 مليون شاب حول العالم لا يحصلون على عمل ولا تدريب، ما يحد من آفاق النمو الاقتصادي العالمي على المدى المتوسط.

في نهاية المطاف، يرى بنك أوف أمريكا أن سوق العمل الأمريكي دخلت مرحلة "التشبث القوي"، حيث يتمسك الموظفون بوظائفهم خشية المجهول، بينما يقف جيل الشباب على أبواب سوق عمل تبدو أكثر انغلاقًا من أي وقت مضى.

الأكثر قراءة