سورية تتجه لإطلاق "الليرة الجديدة".. ما الذي نعرفه حتى الآن؟

سورية تتجه لإطلاق "الليرة الجديدة".. ما الذي نعرفه حتى الآن؟

سورية تتجه لإطلاق "الليرة الجديدة".. ما الذي نعرفه حتى الآن؟

أطلقت سورية اسم "الليرة الجديدة" على عملتها المرتقب إصدارها في الذكرى الأولى لتحرير البلاد من نظام الأسد، في خطوة تأمل السلطات أن تعيد شيئاً من الثقة المفقودة في عملتها الوطنية.

وقال حاكم مصرف سورية المركزي، عبد القادر الحصرية، في تصريحات تلفزيونية إن العملة الجديدة التي ستصدر في الثامن من ديسمبر "قيد الطباعة". مشدداً على أن قرار حذف صفرين من الليرة السورية الحالية (القديمة) "حسم بشكل نهائي"، وأن هذه الخطوة لن تؤثر على القيمة الحقيقية لليرة، بل تهدف إلى تسهيل العمليات المحاسبية اليومية والتجارية.

آلية التداول المزدوج

مصرف سورية المركزي أعلن أن العملتين –القديمة والجديدة– ستتعايشان جنباً إلى جنب لمدة عام كامل، قبل أن تسحب الفئات القديمة تدريجياً من التداول. هذا التوازي في التداول يتيح للمؤسسات والشركات تحديث أنظمتها المحاسبية والمالية، كما يمنح المواطنين فترة للتأقلم مع الفئات الجديدة.

وبحسب حاكم المصرف عبد القادر الحصرية، فإن ست فئات نقدية جديدة قيد الطباعة حالياً، كما تتمتع بمواصفات أمنية عالية المستوى للحماية من التزوير، وأن الليرة السورية الجديدة ستخلو من صور أشخاص، في ابتعاد لافت عن تقليد التصاميم السابقة.

الرمزية السياسية

من الناحية الرمزية، يحمل الطرح دلالات سياسية لا تقل عن قيمته الاقتصادية. فبعد سنوات من ربط الليرة بصورة النظام السابق، تأتي هذه السلسلة في الذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد، لتجسد رغبة الحكومة الجديدة في القطع مع الماضي. في المقابل، تبقى التحديات الميدانية كبيرة، إذ إن مناطق واسعة في الشمال الغربي ما زالت تعتمد على الليرة التركية منذ عام 2020، ما يثير تساؤلات حول مدى شمولية القبول بالعملة الجديدة داخل الجغرافيا السورية الممزقة.

أين ستُطبع الليرة الجديدة؟

لم تُحسم بعد الجهة التي ستتولى طباعة الأوراق الجديدة، مع تضارب الروايات بين احتمال الطباعة في روسيا عبر شركة "غوزناك" الحكومية وبين وجود مباحثات مع مطابع في الإمارات وألمانيا. كذلك، يستعد المصرف المركزي لإطلاق حملة توعوية موسعة لشرح آليات الاستبدال وضمان انتقال سلس، في وقت يتطلب الأمر تحديث أنظمة الدفع الإلكتروني وأجهزة الصراف الآلي وضمان وجود مخزون كافٍ من الأوراق الجديدة لتغطية الطلب.

الإصلاح النقدي بين الشكل والجوهر

لكن، وكما تُظهر تجارب دولية عديدة، فإن حذف الأصفار إجراء تجميلي إذا لم يقترن بسياسات نقدية ومالية متماسكة. التضخم المستمر وخسارة الليرة لأكثر من 99% من قيمتها منذ 2011 يعكسان أن المشكلة أعمق من مجرد شكل الأوراق. ما لم يجرِ ضبط عجز الموازنة وإعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي وتقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، سيبقى الخطر قائماً بأن تتحول "الليرة الجديدة" إلى نسخة محدثة من أزمة قديمة.

ترى السلطات أن هذه الخطوة تمثل بداية إصلاح نقدي أوسع يشمل تحديث أنظمة المدفوعات وإعادة الارتباط تدريجياً بالنظام المالي العالمي، بما في ذلك محاولة استعادة الوصول إلى نظام "سويفت" للتحويلات المالية العالمية عبر بعض البنوك الخاصة.

نجاح التجربة أو فشلها لن يُقاس بتصميم الورقة النقدية الجديدة، بل بقدرة صانعي السياسة على تثبيت التوقعات وكبح التضخم وتوحيد قواعد القبول في عموم البلاد.

كيف سيتم تمويل العملة الجديدة؟

عملية استبدال العملة لا تعني إصدار أموال إضافية. هذه العملية لا تتضمن زيادة في الكتلة النقدية، وإنما استبدال الأوراق الحالية بأخرى جديدة فقط.

وبالتالي، "لن نقوم بطباعة العملة عبر التمويل بالعجز كما فعل النظام البائد إنما عبر ضوابط اقتصادية تراعي مصالح المواطنين"، وفق تصريحات حاكم مصرف سورية المركزي.

كيف ستتحرك الليرة السورية؟

إعادة احتساب سعر الصرف مسألة يحددها المصرف المركزي، خصوصاً مع اعتماده سياسة "التعويم المُدار" التي تترك السعر لقوى العرض والطلب تحت مراقبة وتدخل المركزي عند الحاجة.

علمياً، سعر الصرف يتأثر بجملة عوامل أبرزها الناتج المحلي الإجمالي، ميزان المدفوعات، الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وحتى العامل النفسي المرتبط بتوقعات المتعاملين. "لذا، حذف الأصفار وحده لا يكفي ما لم يترافق مع احتياطي قوي من القطع الأجنبي يمكّن المركزي من الدفاع عن العملة في مواجهة أي صدمات"، بحسب الباحث الاقتصادي علي محمد في حديث إلى "الشرق".

ويضيف: "من غير الواقعي التفاؤل كثيراً في المدى القريب، إذ تفيد المؤشرات الحالية بتراجع إضافي في قيمة الليرة، خاصة بعد قرار رفع الرواتب بنسبة 200% هذا الشهر، حيث انعكس مباشرة على ارتفاع سعر الصرف من نحو 9500 إلى 11 ألف ليرة".

كيف سيجري استبدال العملة؟

التحويل المحاسبي: سيتم حذف صفرين من العملة الحالية (القديمة) (مثال: 1000 ليرة سورية قديمة ستساوي 10 ليرات سورية جديدة). وبالتالي، فإن سعر صرف الدولار لدى مصرف سورية المركزي سيصبح 110 ليرات جديدة بدل 11000 ليرة.

التسجيل المسبق: المواطن سيتمكن من تسجيل مبالغ الاستبدال مسبقاً ليكون رصيده جاهزاً للسحب دون تأخير، وفق تصريحات حاكم المصرف.

التداول المزدوج: قبول كلتا العملتين لمدة 12 شهراً، مع تحديث الأنظمة البنكية وواجهات الدفع والفواتير وقوائم الأسعار.

ليس هناك تخفيض رسمي للقيمة: المصرف المركزي يشير إلى أنه لا يتوقع أثراً سلبياً على قيمة العملة لمجرد إصدار السلسلة الجديدة. الأثر يعتمد على السياسات المصاحبة.

المخاطر والعقبات

التضخم بالتقريب السعري: خبرات الدول الأخرى تُظهر أن حذف الأصفار قد يقود إلى تقريب الأسعار للأعلى إذا غابت الرقابة الفعالة.

التشرذم النقدي الجغرافي: بعض المناطق في الشمال الغربي تستخدم الليرة التركية منذ سنوات. قبول "الليرة الجديدة" بسرعة قد لا يكون مضموناً.

الفجوة بين السعر الرسمي والموازي: بلا انضباط مالي ونقدي متزامن، قد يبقى سعر الصرف الموازي محدِّداً للسلوك السعري، ما يقلّص عوائد الخطوة الشكلية.

لوجستيات الاستبدال: جمع الكتلة النقدية المتداولة خارج المصارف وتحديث الأنظمة وأجهزة الصرف الآلي، والتأمين ضد التزوير تحديات تشغيلية معقّدة.

"لا يمكن لهذا الإجراء أن ينجح إذا استمرت الكتلة النقدية الضخمة خارج سيطرة المصرف المركزي"، وفق علي محمد.

إلى جانب ذلك، "يبرز تحدي إعادة تقييم الأصول والالتزامات، مثل الودائع والتسهيلات الائتمانية والموجودات الثابتة، وهو ما سينعكس على مختلف جوانب العمل المصرفي والتجاري في البلاد".

ماذا يعني ذلك للمواطنين والشركات؟

الأجور والأسعار والعقود ستُحوَّل حسابياً بحذف صفرين، مع ضرورة إظهار السعر بالعملتين خلال الفترة الانتقالية لتفادي الالتباس.

ستصبح التعاملات اليومية أسهل (فواتير أصغر، عدد أوراق أقل)، لكن القوة الشرائية لن تتحسن تلقائياً بدون كبح التضخم واستقرار سعر الصرف.

"إذا ارتبطت العملية بإصلاحات حقيقية في السياسة النقدية والقطاع المصرفي والإنتاجي، فإننا سنشهد تحسناً في قيمة الليرة، وارتفاعاً في القوة الشرائية، وتحسناً نسبياً في مستوى معيشة المواطنين"، بحسب علي محمد.

ما تجب مراقبته قبل 8 ديسمبر

قبل الثامن من ديسمبر، هناك جملة من الأمور الحاسمة التي يتعيّن مراقبتها عن كثب. في المقدمة يأتي المرسوم النهائي واللائحة التنفيذية التي ستحدد قواعد التقريب السعري، وآلية تسعير الخدمات مثل الكهرباء والاتصالات، إضافة إلى مصير كسور الليرة التي تقليدياً تتألف من 100 قرش. كما يُنتظر أن تكشف هوية دار الطباعة، وتفاصيل خاصة بعلامات الأمان، بما يضمن الثقة بالعملة الجديدة.

ومن بين الملفات المهمة أيضاً الإعلان عن الفئات الست الجديدة، سواء من حيث قيمها وألوانها أو مزاياها الأمنية، إلى جانب خطة سحب الفئات القديمة من التداول. ولا يقل أهمية عن ذلك إطلاق حملة توعية تستهدف المواطنين والمؤسسات، بالتوازي مع تحديث الأنظمة البنكية ونقاط البيع لتتلاءم مع المرحلة المقبلة من التحول النقدي.

الأكثر قراءة