من تبرعات فردية إلى وضع حلول للمشكلات.. كيف غيرت السعودية من مفهوم العمل الإنساني؟

من تبرعات فردية إلى وضع حلول للمشكلات.. كيف غيرت السعودية من مفهوم العمل الإنساني؟

من تبرعات فردية إلى وضع حلول للمشكلات.. كيف غيرت السعودية من مفهوم العمل الإنساني؟
تتصدر السعودية الدول المانحة للمساعدات بـ141 مليار دولار.

وسط الاضطرابات التي شهدتها الجزيرة العربية قبل توحيد نجد والحجاز، كان الملك عبدالعزيز آل سعود مشغولا بكيفية تحسين حياة الناس خاصة غير القادرين، وكيف يصون كرامتهم فيحميهم من العجز والحاجة، لذلك أمر في عام 1928 بوضع نظام لتوزيع الصدقات والإعانات كما أسس في العام التالي "لجنة الصدقات العليا" في مكة المكرمة لتتولى عملية جمع الصدقات والزكوات من الأغنياء وتوزيعها على الفقراء بشكل عادل.
البذرة التي وضعها الملك المؤسس سرعان ما أضحت ثقافة راسخة في سياسات المملكة التي تتصدر في الوقت الحالي قائمة أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية بقيمة 141 مليار دولار، كما ساهمت السعودية في 7983 مشروعًا شمل 47 قطاعًا حيويًا، وبلغ عدد الدول المستفيدة من هذه المساعدات 173 دولة حول العالم.
توضح الوثائق التاريخية أن البعد الإنساني للسعودية كان حاضرًا منذ اللحظة الأولى ومتاحًا للجميع بدون أي تمييز، ففي 1939 قدمت المملكة مساعدات كبيرة لدعم الشعب الفلسطيني، وبعد سنوات قليلة قدمت مساعدات غذائية لليونان المنكوبة بعد الحرب العالمية الثانية ثم واصلت الدعم لمصر بعد العدوان الثلاثي 1956 ولفلسطين بعد حرب 1967 ومصر مرة أخرى أثناء حرب أكتوبر 1973.
من المواقف الفردية إلى العمل المؤسسي، هكذا كان 1974 حين تم تأسيس الصندوق السعودي للتنمية ومن خلاله تحول العمل الإنساني إلى عمل منظم فلم يعد الأمر متعلق بالاستجابة للطوارئ أو الكوارث بل بالمشروعات التنموية طويلة المدى، واستفاد من ذلك دول كثيرة أبرزهم السودان والصومال وتشاد التي جسدت لهم المساعدات الغذائية طوق نجاة من المجاعات والجفاف الذي اجتاحهم في ثمانينيات القرن الماضي، ووقت تسونامي المحيط الهندي 2004 سارعت السعودية من خلال صندوقها بتقديم كل الدعم حتى أضحت أكبر المانحين للضحايا وهو ما تكرر في 2014 إذ عدت الرياض الأكثر مساعدة لمواجهة وباء إيبولا في أفريقيا، ناهيك عن مساعدة باكستان لتخطي كوارث الزلال والفيضانات في 2010.
يجمع خبراء العمل التنموي والإغاثي أن رؤية 2030 غيّرت من مفهوم العمل الإنساني، إذ لم يعد الأمر مجرد أرقام معلنة أو منح مالية ومساعدات طارئة، بل صارت مشروعات تدرس وتطرح وتنفذ وتخضع لتقارير دورية لقياس أثرها في المستفيدين، كما باتت تركز على مجالات أكثر أهمية بحسب طبيعة كل بلد وما يلائمه، واستهدفت الرؤية منذ إطلاقها البعد الإنساني العالمي كأحد أعمدة القوة الناعمة للمملكة كما عملت على تحويله من مبادرات فردية إلى منظومة مؤسسية متكاملة عنوانها الشفافية والاستدامة، واعتمدت في ذلك على مركز الملك سلمان للإغاثة الذي تأسس في 2015 وصار ذراع الدولة التنموي ومرجعها الرئيسي في إدارة وتنسيق المساعدات.
تأسيسًا على ذلك عقدت المملكة شراكات إستراتيجية مع الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي لتصبح السعودية ليست مجرد مانح بل مشارك أساسي في صياغة حلول للأزمات العالمية من مكافحة الأوبئة إلى دعم خطط الأمن الغذائي، وظهر دورها الأكبر في مواجهة أزمة كورونا إذ أنفقت المملكة نحو 750 مليون دولار لمساعدة الدول في مواجهة الوباء، وكان نصيب منظمة الصحة العالمية 90 مليون دولار فيما تم توجيه 10 مليون دولار إلى صندوق الاستجابة التابع للمنظمة العالمية و300 مليون دولار لدعم أبحاث اللقاءات.
في المجال التنموي نفذ مركز الملك سلمان للإغاثة خلال العشر سنوات الماضية أكثر من 7300 مشروع بقيمة إجمالية تتجاوز 7.3 مليار دولار بحسب الإحصاءات الرسمية، ورغم استفادة دول كثيرة من هذه المشروعات لكن تظل اليمن هي المستفيد الأكبر إذ حصلت على نحو 1.25 مليار دولار في عام 2021 فقط لدعم الطاقة ومواجهة مجاعة ومواجهة فيروس كورونا، وقبل ذلك بعام حصلت على نحو 500 مليون دولار كتبرعات لحالات الطوارئ، كما أطلق المركز مشروع "مسام" لإزالة الألغام ونجح في نزع أكثر من 500 ألف لغم.
وتنفيذّا لرؤية أعمق تستهدف الإفادة الحقيقية حظت دول كثيرة بما تحتاجه فعلًا، فالمساعدات الغذائية منذ 2023 لم تتوقف لدعم الشعب الفلسطيني وقد بلغت أكثر من 7 آلاف طن من المواد الغذائية والطبية والإيوائية إضافة إلى تسليم 20 سيارة إسعاف وتوقيع اتفاقيات مع منظمات دولية لتنفيذ مشروعات بقيمة 90 مليون دولار، كما تم تقديم نفس نوع المساعدات لسوريا من خلال برنامج "أمل التطوعي السعودي" الذي قدم المساعدات الغذائية والطبية، غير المساعدات الفورية لإنقاذ الضحايا في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا 2023 وقد استفادت الأخيرة أيضًا من المساعدات السعودية.
اللافت للنظر في العمل الإنساني السعودي هو الاستهداف المباشر للفئات الأكثر احتياجًا وهو ما يكشفه تقرير مركز الملك سلمان للإغاثة في عام 2022 والذي أوضح أن أكثر المستفيدين من المساعدات هم النساء بواقع 113 مليون امرأة والأطفال بواقع 146 مليون طفل، كما لفت النظر نوعية المبادرات وأحدثها البرنامج السعودي لفصل التوائم الملتصقة الذي أجرى نحو 66 عملية جراحية مجانًا بالكامل شملت حالات من 27 دولة حتى اعتمدت الأمم المتحدة 24 نوفمبر يومًا عالميًا للتوائم الملتصقة اعترافًا منها بجهود السعودية الطبية.
تكامل السعودية ليس في كونها فقط رائدة للعمل الإنساني كمؤسسات ورؤية بل الشعب نفسه صار البعد الاجتماعي جزءا من ثقافته ولذلك تم إطلاق منصة "إحسان" لتكون منفذ لتبرعات السعوديين في الأزمات والكوارث الدولية وقد استقبلت المنصة أكثر من 3 ملايين زائر واستفاد منها أكثر من 4.6 مليون مستفيد حتى عام 2022 بحسب "واس"، لتؤكد المملكة تصميمها أن تكون دولة تقود الاقتصاد وتحمي البيئة وتضع يدها بصدق ورؤية في يد كل محتاج حول العالم.

الأكثر قراءة