هل ترغب في الاستثمار في العملات الرقمية؟

مع وصول البيتكوين لمستويات قياسية وسط التفاؤل حيال موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المؤيد للعملات الرقمية، يتزايد الإقبال على الاستثمار في هذه السوقولكن قبل القيام بذلك، اسأل نفسك: "لماذا يجب علي امتلاك العملات الرقمية؟" إليك أبرز الإيجابيات والسلبيات.

تعاملت الأسواق مع انخفاض البيتكوين في أوائل عام 2025 بصفته مجرد تعثر مؤقت، حيث يشير الارتداد الأخير إلى ارتفاع بمستويات جديدة ومكاسب أكبر في المستقبل. يرى البعض أن مواقف ترمب المؤيدة للعملات الرقمية، وطرح الكونجرس الأمريكي عديدا من مشاريع القوانين المؤيدة للعملات الرقمية الآن كدليل على قرب تسهيل التشريعات المؤيدة للعملات الرقمية.

ربما يكون هذا حقيقيًا! فقد أنشأ ترمب بالفعل "الاحتياطي الإستراتيجي للبيتكوين" و"مخزون احتياطي الأصول الرقمية"، كما أوقفت الجهات التنظيمية الأمريكية تحقيقاتها مع منصة كوين بيس، وهي أكبر منصة تداول رقمية في الولايات المتحدة. أما حفل العشاء الذي نظمه ترمب لمستثمري "عملة الميم" الخاصة به، فقد أشعل آمال المتفائلين بمستقبل العملات الرقمية.

الولايات المتحدة ليست وحدها في هذا السباق، حيث تتنافس كل من هونج كونج، وسويسرا، وبريطانيا، واليابان، وكل المراكز المالية العالمية الأخرى تقريبًا على أن تكون عاصمة العملات الرقمية. كما أظهرت المملكة العربية السعودية انفتاحًا متزايدًا تجاه العملات الرقمية، مع اعتمادها نهجًا تنظيميًا "مدروسا".

علاوة على ذلك، بدأت بعض الشركات المدرجة في البورصة بزيادة حيازاتها من البيتكوين، مما قد يمهّد الطريق لدخول العملات الرقمية إلى سوق الأسهم. ومع ذلك، لا يتجاوز عدد الشركات المعروفة بـ "شركات الخزانة الرقمية" نحو 135 شركة، وتبقى الغالبية منها صغيرة الحجم إلى درجة لا تؤهلها للإدراج ضمن المؤشرات المالية الكبرى.

ومع ذلك، يبقى السؤال: لماذا ينبغي عليك امتلاك العملات الرقمية؟ يقول البعض إنها وسيلة لتنويع المحافظ الاستثمارية، أو التحوّط ضد التضخم. وبما أن المعروض من عملة البيتكوين محدود، يرى المتفائلون أنها لا يمكن أن تفقد قيمتها بالكامل، كما هو الحال مع العملات الرقمية التقليدية. كما أن عددًا كبيرًا من عملات البيتكوين قد فُقد إلى الأبد، مما يقلّص المعروض المتاح.

إلا أن هذا التفكير يتغافل عن أن المعروض الإجمالي من العملات الرقمية غير محدود بشكلٍ عام. فهناك الإيثيريوم، وعملة XRP، و"عملة الميم"، وما زال الباب مفتوحًا لغيرها من العملات. وجميعها تُضعف من حجم الطلب وتثير شكوكًا حول استدامة هذه العملات على المدى الطويل. علمًا أن عملة ترمب الرقمية شهدت انخفاضًا حادًا منذ إطلاقها، مما يبرز مدى تقلب سوق العملات المشفرة.

يروج المتفائلون بالعملات الرقمية لما يصفونه بالمكاسب الهائلة. فمنذ عام 2010 وحتى نهاية 2024، قفزت البيتكوين بمعدل سنوي بلغ 159%. وفي عام 2024 وحده، ارتفعت بنسبة 112%. كما سجلت ارتفاعًا بنسبة 72.3% منذ الانتخابات الأمريكية وحتى 14 يوليو، رغم تقلبات 2025! وهذه زيادات هائلة!

لكن غالبًا ما تُقابل هذه الارتفاعات الهائلة بانخفاضات مؤلمة. فخلال فترات متتابعة مدتها 12 شهرًا خلال هذا العقد، سجلت البيتكوين عوائد تراوحت بين ارتفاعات بلغت 2,347% وخسائر وصلت إلى -83%. فهي تزدهر ثم تنهار بشكل غير متوقع.

بلغت البيتكوين قمة قياسية قرب مستوى 400 ريال سعودي في شهر أبريل 2013، ثم تبع ذلك انهيار بنسبة -71%. وفي نفس العام، ارتفعت إلى 4,300 ريال سعودي، لكنها فقدت لاحقًا -84% من قيمتها خلال نحو 21 شهرًا. تكرر الأمر ذاته في عام 2018. أما بين عام 2021 و2023، فقدت البيتكوين -77% من قيمتها، وحتى الانخفاض "البسيط" في أوائل عام 2025 وصل إلى -28.1% ! تذكر دائمًا: التوقيت الخاطئ للدخول إلى السوق قد يُكلّفك الكثير.

ما سبب هذه التقلبات؟ لا يوجد أساسيات واضحة تقود هذه الأسواق — فالعملات الرقمية تفتقر الأساسيات بشكلٍ كامل: فلا استخدامات صناعية، أو تقارير أرباح، أو مبيعات، أو عوائد قابلة للقياس. بل إن القطاع يعاني من تفشي الجرائم والاحتيال من عملية احتيال عملة "أوميجا برو" في يوليو، واختراق منصة Bybit في فبراير، وهي أكبر عملية اختراق للعملات الرقمية على الإطلاق، وانهيار FTX.

هل العملات الرقمية وسيلة فعالة للتحوّط ضد التضخم؟ الإجابة لا، ففي عام 2022 تزامن انخفاض عملة البيتكوين بنسبة -64% مع ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة إلى 9.1% على أساس سنوي. وفي السعودية، رغم أن بيتكوين شهدت ارتفاعًا أوليًا خلال موجة التضخم في 2020–2021، إلا أنها تراجعت بشكل حاد مع تسارع التضخم. ببساطة، لم تثبت العملات الرقمية فعاليتها كملاذ آمن ضد التضخم حتى الآن.

إذًا، ما الذي يحرك تقلبات سوق العملات الرقمية؟ الأمر ببساطة يتعلّق بتقلّب الطلب. معنويات المستثمرين هي المحرك الحقيقي. هل تستطيع توقيت تقلبات المشاعر؟ شخصيًا، لا أستطيع. وإن لم تكن قادرًا على ذلك، فهل تملك القدرة على التماسك إذا تراجعت البيتكوين تراجعًا حادًا مرة أخرى؟

لن تخدمك العواطف في هذه السوق المتقلبة. فعندما يتعلق الأمر بالأصول المتقلبة مثل العملات الرقمية، يندفع كثير من المستثمرين للشراء بعد الارتفاعات الكبيرة بدافع الخوف من تفويت الفرصة. وعندما تبدأ الأسعار في التراجع، يتملّكهم الخوف فيسارعون إلى البيع، مما يحوّل التراجع المؤقت إلى خسارة فعلية. لقد شاهدت المستثمرين يكررون مثل هذه المغامرات الطائشة على مدى 50 عامًا.

تقلبات سوق العملات الرقمية أشد وأعنف من تقلبات سوق الأسهم. فهل تملك القدرة على تحمّل هذا المستوى من المخاطرة؟


مؤسس Fisher Investments وأكبر مستشار استثماري في العالم وكاتب متخصص في أسواق الأسهم والصناديق الاستثمارية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي