الاستثمار السعودي في سورية.. الرؤية والتطلعات
شهدت العلاقات السعودية السورية تحولًا إستراتيجيًا بارزًا في الآونة الأخيرة، السعودية التي تسعى جاهدة لدعم التعافي الاقتصادي في سورية بعد سنوات من الصراع وانهيار مقومات الاقتصاد وممكنات النمو في البلد، الذي خرج منهكاً من أتون حرب أهلية مدمرة وفي أمس الحاجة إلى إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية.
يعكس هذا التحرك إستراتيجية سعودية طموحة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وتوسيع النفوذ الاقتصادي في المنطقة والدفع باتجاه أن يحقق الاقتصاد ما لم تحققه المدافع.
في سبيل تنفيذ رؤيتها في جعل الاقتصاد والشراكات الإستراتيجية هي المحرك الرئيسي للنمو في المنطقة بدلاً عن أتون الحرب والصراعات التي أنهكت المنطقة وهي أكثر مناطق العالم حروباً من حيث أمد الصراعات واتساع رقعتها عقدت السعودية أخيرا منتدى الاستثمار السعودي السوري في دمشق يومي 23 و24 يوليو 2025 الذي يُعد نقطة انطلاق لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
لقد خلصت السعودية إلى أن المكاسب المحققة من الاستقرار والنمو والازدهار الاقتصادي المبني على شراكات إستراتيجية اقتصادية تطغى على أي مكاسب قد تجلبها الحروب والنزاعات التي ستخلف دمارا وزعزعة تفضي إلى مزيد من المعاناة والألم والتخلف الاقتصادي في المنطقة.
لقد أعلنت السعودية في المنتدى عن توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة 24 مليار ريال سعودي ما يعادل 6.4 مليار دولار تغطي قطاعات حيوية مثل: البنية التحتية، الصناعة، العقارات، الاتصالات، الطاقة، والسياحة.
هذه الاتفاقيات تضمنت تدشين مصنع للأسمنت الأبيض في عدرا الصناعية بريف دمشق باستثمارات تبلغ 100 مليون ريال، وهو مشروع يدعم قطاع البناء في مرحلة إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية الأساسية. كما تم الإعلان عن تأسيس مجلس أعمال سعودي سوري لتعزيز دور القطاع الخاص إلى جانب مذكرة تفاهم بين تداول السعودية وسوق دمشق للأوراق المالية لدعم الإدراج المزدوج وصناديق الاستثمار. هذه المشاريع الاستثمارية تهدف إلى توفير أكثر من 50 ألف فرصة عمل ودعم التنمية المستدامة في أنحاء سورية.
لقد ركزت القنوات الاستثمارية السعودية في سورية على عدة محاور تشمل الاستثمار في مشاريع إنشاء مصانع وتطوير الطرق والموانئ وتطوير القطاع الصناعي من خلال دعم إنتاج المواد الأساسية. كما كان القطاع العقاري ضمن هذه القنوات التي تضمنت خطط لتطوير مدن سكنية وتجارية. أما قطاع الطاقة فكان التركيز على دعم مشاريع توليد الكهرباء والطاقة البديلة التي تحتاجها سورية بشكل كبير وعاجل.
ولم تكن السياحة غائبة عن المشاريع الاستثمارية فكان التركيز على إحياء المناطق السياحية السورية التي تصنع عامل جذب سياحي يقود إلى انتعاش مستقبلي لقطاع طالما اعتمد عليه الاقتصاد السوري قبل الحرب. لقد كانت هذه القنوات الاستثمارية السعودية نتاج تعاون وثيق بين القطاعين العام والخاص السعودي وبمشاركة أكثر من 120 مستثمرًا سعوديًا و20 جهة حكومية.
ملامح الإستراتيجية السعودية في سورية تتسم بالتوازن بين الأهداف الاقتصادية والسياسية. فاقتصاديًا، تسعى السعودية لاستغلال الفرص الاستثمارية في سورية بعد رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية التي أسهمت في رفعها وسياسيًا، تهدف السعودية إلى دعم الحكومة السورية الجديدة الشابة وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
هذه الجهود لا تعكس فقط طموحًا اقتصاديًا، بل تؤكد بشكل جلي وفعلي على دور السعودية كمحور إقليمي في دعم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
خبير إستراتيجي في شؤون الطاقة