هل نعيش بداية حقبة استثمارية غير مسبوقة؟
طبيعة المخاطر تتغيّر، والأسواق تتغير معها
التالي:لماذا تسترد البنوك الأمريكية أسهمها الممتازة من السوق؟
- الأسواق تدخل حقبة جديدة من التقلبات تتطلب التركيز على إدارة المخاطر
- التكنولوجيا وتفكك الأسواق وارتفاع الدين والتضخم تنهي عصر المكاسب السهلة
"هذه المرة غير كلّ مرة"، عبارة كثيراً ما توصف بأنها الأعلى كلفة في تاريخ الاستثمار، وربما عن حق. ومع ذلك، -استمعوا إليّ، ثمة ما يدعو فعلاً للاعتقاد بأن هذه المرة مختلفة حقاً. فطبيعة المخاطر تتغير، والأسواق تتغير معها.
انتهت حقبة استثمارية امتدّت 15 عاماً، كان تحقيق الأرباح فيها متاحاً للجميع، ما قد يحمل فرصاً أكبر للمستثمرين، لكنه ينطوي أيضاً على مخاطر أعلى. وهذا يعني أن الاستثمار سيحتاج إلى قدر أكبر من الانتباه والمهارة، وأن إدارة المخاطر ستستعيد أهميتها.
تأثير الذكاء الاصطناعي
يقف خلف هذا التحوّل 3 تغيّرات رئيسية، أولها صدمة تكنولوجية. فرغم الصورة القاتمة التي ترسمها مستويات الدين الحكومي المرتفعة والسياسات التي تُغلّب الأجندات السياسية على الاعتبارات الاقتصادية، (خصوصاً في ما يتعلق بالرسوم الجمركية والهجرة) لا يزال الاقتصاد الأمريكي يحتفظ بعوامل قوة، في مقدمها ريادته العالمية في الابتكار، ولا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي.
صحيح أن أحداً لا يعرف ما الذي سيعنيه الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى للاقتصاد، أو متى وكيف سيحدث التغيير، لكن إذا سارت الأمور مع الذكاء الاصطناعي على غرار الابتكارات الكبرى السابقة، فمن المرجّح أن يعزز الإنتاجية والربحية. فسترتفع أسهم الشركات القادرة على اغتنام هذه الفرصة. وهذا ما يفسّر جزئياً استمرار صعود الأسواق، رغم أن أسعار الأسهم مرتفعة نسبياً في الوقت الراهن.
لن يخلو الأمر من مطبات على المدى البعيد. فالتحوّل التكنولوجي للاقتصاد عملية فوضوية يسودها الغموض، تفرز رابحين وخاسرين، وقد تمتد عقوداً قبل أن تتضح معالمها بالكامل. ولا شك أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الاقتصاد، لكن بطرق لا نزال عاجزين عن تصوّرها بدقة.
وفي ظلّ الذكاء الاصطناعي والرياح المعاكسة الناتجة عن السياسات الحكومية، لا شكّ أننا سنشهد عديدا من الانطلاقات الخاطئة والرهانات الخاسرة، إلى جانب انهيارات في أسواق الأسهم، وحماسة لشركات يُنظر إليها كرائدة لعصر جديد، سرعان ما سيُطوى ذكراها خلال 10 سنوات. كلّ ذلك سيجعل الأسواق أكثر تقلّباً، رغم توقع تقديمها عوائد أعلى.
تفكك الأسواق وارتفاع الدين والتضخم
أما التغيير الثاني، فيتمثّل في تزايد التفكك المالي بفعل النظام التجاري العالمي الجديد. فحتى قبل اندلاع الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب، كانت الأسواق تتجه نحو التفكّك. وبعد الجائحة، برز توجّه نحو "الصداقة التجارية" -أي التبادل التجاري بين دول تتشارك في التوجّهات أو العلاقة معها مستقرة. والنتيجة: أسواق أقل تكاملاً وترابطاً.
على مدى العقدين الماضيين، تمكّن المستثمرون من التحيّز للسوق المحلية من دون تكبّد عواقب تُذكر، بفضل الأداء المتفوق للأسهم الأمريكية، والترابط النسبي بين الأسواق نتيجة اندماجها العميق. لكن هذا الوضع لن يستمرّ إذا تراجع حجم التجارة بين الدول وتقلّصت التدفقات الرأسمالية عبر الحدود. ومع غياب التنويع التلقائي، سيضطر المستثمرون إلى البحث عنه بجهد أكبر.
أما التغيّر الثالث، فيتعلّق ببيئة اقتصادية تتّسم بارتفاع مستويات الدين والتضخم. وهذا سيؤدّي إلى معدلات فائدة أعلى، ومنحنى عائد أكثر انحداراً، وتقلبات أشدّ في أسعار الفائدة. ما يعني أن العلاقة مع سوق الأسهم ستصبح أقل استقراراً، الأمر الذي يتطلّب إستراتيجية دخل ثابت أكثر تطوراً. ولن يعد بوسع المستثمرين الرهان على العلاقة العكسية التقليدية بين الأسهم والسندات.
تركيز على إدارة المخاطر
خلال العشرين سنة الماضية، كان بالإمكان تحقيق أداء حسن في الأسواق من دون أخذ إدارة المخاطر في الحسبان بكثير من الجدية. إذ كان يكفي الاستثمار في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وبعض السندات الحكومية لتحقيق أداء جيد. لكن هذا النهج لم يعد مجدياً، إلا لمن يستطيع تحمّل تقلبات كبيرة، أو حتى سنوات من العوائد المنخفضة.
يدرك مديرو الأصول تغير العالم من حولهم، ويرون أنه سيحتاج إلى إدارة أنشط. لكن انتقاء الأسهم سيغدو مهمة أصعب وأقل قابلية للتنبؤ، ما يعزّز الحاجة إلى التركيز على إدارة المخاطر بدلاً من محاولة التذاكي على السوق. ورغم أننا أمام حقبة جديدة، فإن الإستراتيجية القديمة المجربة التي تناسها كثير من المستثمرين تبقى أفضل أمل لهم.
ويعني ذلك أمرين: أولاً، لتعويض تفكك الأسواق، يحتاج المستثمرون الأمريكيون إلى تنويع محافظهم دولياً وتجنّب الانحياز للأسواق المحلية. وثانياً، يتعيّن عليهم التحوّط من المخاطر المتبقية عبر إستراتيجية دخل ثابت أكثر تطوراً. فرغم توجه بعضهم نحو الآجال الأقصر لاعتدال تقلباتها، إلا أن هذا النهج قد يؤدي إلى خسائر في بيئة تتسم بتضخم مرتفع وارتباطات غير مستقرة. لذا، لا بد أن يتمعّن المستثمرون في آجال السندات التي يريدون شراءها والتخطيط للتضخم.
بمعنى آخر، على المستثمرين أن يستعدوا جيداً.
خاص بـ"بلومبرغ"
كاتبة في قسم الرأي ببلومبرغ. وزميلة بارزة في معهد مانهاتن،