عالم يسبح في الديون
ستبقى الديون العالمية مثل خنجر في خاصرة الاقتصاد الدولي. فقد باتت حقيقة صادمة منذ عقود، وترتفع ضغوطاتها كل عام، في ظل تراجع النمو، وتزايد الاضطرابات الاقتصادية عموماً، وفشل سياسات الحكومات في الموازنة بين الدخل العام والإنفاق، إلى جانب الهزات التي تظهر بين الحين والآخر، بما فيها تلك الناجمة عن عدم وضوح الرؤية على بفعل "معارك" هي أقرب للحرب التجارية المفتوحة.
وبالرغم من المحاولات التي لا تتوقف لكبح جماح هذه الديون، إلا أنها لم تحقق خطوات عملية، بل على العكس، هناك تصاعد مستمر للدين العالمي.
في كل الاقتصادات المتقدمة والناشئة والفقيرة. ولأن الأمر كذلك، فقد عجزت في الفترة السابقة بعض الاقتصادات الهشة عن السداد، ما دفع المؤسسات الدولية للتحرك لتوفير ما أمكن من الحماية لها وللدائنين.
في الربع الأول من العام الجاري، بلغت الديون العالمية مستويات غير مسبوقة لتسجل 324 تريليون دولار. ففي 3 أشهر زادت هذه الديون 7.5 تريليون دولار، مع ارتفاعات متواصلة، بحسب معهد التمويل الدولي. ولعل من أهم العوامل الأخرى لهذه الزيادة، الانخفاض الذي شهده الدولار الأمريكي في الفترة السابقة، مع بعض التخفيف للفائدة المفروضة عليه.
وتبقى بالطبع الولايات المتحدة الأكثر مديونية على مستوى العالم، إلا أن القلق يأتي من ديون الأسواق الناشئة، التي تستحوذ على ثلث الديون تقريباً، بما فيها الصين التي صعدت في الربع الأول 2 تريليون دولار، ليصل إجمالي دين ثاني أكبر اقتصاد عالمياً إلى 93 %من الناتج المحلي الإجمالي. دون أن ننسى، أن إجمالي الديم الأمريكي يبلغ 34 % من المجموع الكلي.
لن تهدأ الضغوط من جهة الديون على كل الأسواق، لكنها تعصف بقوة في ساحات البلدان الناشئة. فتكلفة ديونها الخارجية تصل إلى 365 مليار دولار، وفق تقديران العام 2022 ورغم تحسن أداء هذه الأسواق بعض الشيء في أعقاب الخلاص من تبعات جائحة "كورونا"، إلا أن أهباء الديون لم تنخفض. لا يمكن حل معضلة الديون العالمية، إلا بتحقيق النمو في كل الاقتصادات، وترشيد الإنفاق في بعضها، وعدم الاقتراب (على الأقل في الفترة الحالية) من تخفيضات ضريبة كبيرة. فكل تخفيض لا يتم تمويله، سيجبر الحكومات على الاقتراض. إنها عملية حساسة ودقيقة اقتصادياً وسياسياً.
ولايزال العالم يتذكر كيف قضت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس على حكومتها بـ 44 يوماً، لأنها خفضت الضرائب، ولم تعثر على تمويل سوى الاقتراض! ويبدو أن تراس لم تراجع ما قاله يوماً توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة "لا تنفق المال قبل أن تحصل عليه".