هل يستطيع الذكاء الاصطناعي تلبية احتياجاته من الطاقة؟
سير العالم بسرعة فائقة تجاه الثورة الصناعية الخامسة، القائمة على دمج الإنسان والآلة بشكل وثيق بالاعتماد على تقنيات متقدمة كالذكاء الاصطناعي. وكغيرها من مراحل التطور في التاريخ الحديث، فإن تلك الثورة تواجه تحديات وعوائق في طريق نموها.
لكن الصعود المتسارع للذكاء الاصطناعي كشف عن أزمة في صميم هذه الثورة القادمة، فكلما ازدادت قوة نماذجنا، ازدادت حاجتها إلى الطاقة. وفي حالة تُرك الذكاء الاصطناعي دون رادع، فقد يصبح مُحركًا رئيسيًا للانبعاثات، في الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو إزالة الكربون، حيث لم تعد الطاقة مجرد هامش للتقدم الرقمي، بل قد تكون أكبر مُقيد له.
وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة فقد وصل حجم استهلاك مراكز البيانات من الكهرباء في 2024 إلى 415 تيروات/ساعة مستحوذة على 1.5% من إجمالي استهلاك الكهرباء في العالم. وقد سيطرت الولايات المتحدة على النسبة الكبرى من استهلاك مراكز البيانات للكهرباء بنحو 45%، وجاءت الصين في المرتبة الثانية بنسبة 25%، وحلت أوروبا في المرتبة الثالثة بنسبة 15%.
ارتفاع التنافس العالمي حول الذكاء الاصطناعي دفع استهلاك مراكز البيانات من الطاقة ينمو بنسبة 12% سنويًا منذ 2017. ذلك النمو جعل مراكز البيانات تستهلك مقدارا معادلا لما تستهلكه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الألمنيوم والصلب والكيماويات.
تشير التوقعات إلى أن استهلاك مراكز البيانات من الطاقة سينمو بوتيرة أسرع خلال السنوات المقبلة، حيث سيصل الاستهلاك بحلول 2030 إلى 945 تيروات/ساعة. الطفرة في استهلاك مراكز البيانات ستجعل القطاع المحرك الأساسي للطلب على الطاقة في السنوات المقبلة، حيث تشير توقعات الوكالة الدولية للطاقة إلى تشكيل مراكز البيانات 20% من النمو في الطلب على الكهرباء بحلول 2030.
وعند النظر إلى مصادر الطاقة المستخدمة في مراكز البيانات نجد أن الطاقة التقليدية تشكل النسبة الكبرى، حيث يولد الفحم نسبة 30% من الطاقة المستهلكة في مراكز البيانات، بينما يشكل الغاز الطبيعي نسبة 26%، والطاقة النووية نسبة 15%. بينما تستحوذ الطاقة المتجددة (الشمسية، الرياح، الكهرومائية) على نسبة 27% من إجمالي الاستهلاك.
أظهر نموذج صيني حديث للذكاء الاصطناعي إمكانية رفع كفاءة التشغيل بالنسبة لاستهلاك الطاقة، حيث تشير التحليلات الأولية إلى أنه يستهلك طاقة أقل بنسبة 50% إلى 75% من الأنظمة التقليدية القائمة على وحدات معالجة الرسومات. ورغم الحاجة إلى مزيد من الاختبارات للتأكد من كفاءة النموذج، فإنه يُشير إلى إمكانية فصل أداء الذكاء الاصطناعي عن الطلب المتزايد على الطاقة. وسيكون العالم ممثلًا في شركات التكنولوجيا الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والحكومات في حاجة إلى زيادة الإنفاق على عمليات البحث والتطوير الهادفة لدعم الابتكار ورفع الكفاءة وضبط استهلاك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي من الطاقة.
دور الحكومات يجب ألا يقتصر على التنظيم فقط، بل يمتد إلى رسم السياسات وتقديم الحوافز لمشغلي مراكز البيانات الخاصة للاستثمار والاعتماد على الطاقة المتجددة. سيسهم ذلك التوجه في تخفيف الضغط على الشبكات العامة، ويُخفّض الانبعاثات الكربونية، ويُجنّب نموّ الذكاء الاصطناعي على حساب المستخدمين في القطاع الصناعي والمنزلي.
ختامًا فإن التوقعات تشير إلى إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي للاقتصاد العالمي في المستقبل، ولكن يواجه التوسع في الاعتماد على تقنياته تحديات تتمثل في استهلاك الطاقة، وهو بما يتعارض مع جهود خفض انبعاثات الكربون. ويحتاج العالم إلى رسم سياسات تهدف إلى تطوير حلول مبتكرة وفعالة تعالج معضلة استهلاك الطاقة وتضمن التطور المستمر للذكاء الاصطناعي. فإذا أردنا أن يخدم الذكاء الاصطناعي المستقبل، فيجب تشغيله بطريقة مسؤولة، ليس عن طريق كبح الابتكار، ولكن عن طريق بناء أنظمة الطاقة التي يمكنها دعمه.