هل ستكون الخدمات اللوجستية منجم الذهب المقبل للاقتصاد السعودي؟
بعد أن كان الذهب الأسود شريان الاقتصاد السعودي لعقود، يدخل قطاع النقل والتخزين والخدمات اللوجستية في المنافسة المحتدمة مع القطاعات الأخرى لتنويع مصادر الدخل، ما يدفع للسؤال هل يصبح هذا القطاع منجم الذهب المقبل؟
الشركات العالمية والمحلية التي تعمل في القطاعات التجارية الأخرى، مثل الطاقة والصناعة والتقنية والتطوير العقاري، بدأت بتحويل بوصلة مشاريعها إلى قطاع النقل والخدمات اللوجستية لضخامة الفرص الاستثمارية به.
تستهدف السعودية تحقيق نمو بقيمة 28 مليار دولار في قطاعي الخدمات اللوجستية والتخزين بحلول 2030، ووصول حجم الاستثمارات من خلال الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية إلى 130 مليار دولار، لتعزيز خدمات النقل واللوجستيات متعددة الوسائط.
ومن المقرر إطلاق 59 منطقة لوجستية جديدة بحلول 2030، لدعم هدف وصول مساهمة قطاع الخدمات اللوجستية في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10%.
بهدف جعل السعودية مركزا لوجستيا عالميا رائدا، تمكنت الرياض من استقطاب الشركات العالمية والوطنية عبر المعرض السعودي للمستودعات والخدمات اللوجستية.
المعرض، الذي عقد في الفترة من 27 إلى 29 مايو الماضي بمشاركة أكثر من 25 دولة، يشكل منصة تجمع الجهات الحكومية والخاصة المرتبطة بالقطاع بأكملها تحت سقف واحد وفرصة مثالية لاكتشاف الحلول.
أحدث حلول الخدمات تحت سقف واحد في الرياض
ضم المعرض السعودي للمستودعات والخدمات اللوجستية أكثر من 3500 منتج وحلول وأنظمة وخدمات لتحسين كفاءة سلسلة التوريد في مجالات التخزين والنقل والخدمات اللوجستية.
من بين أبرز العلامات التجارية الي شاركت في المعرض "سويس لوج" الرائدة عالمياً في مجال الخدمات اللوجستية الداخلية وأتمتة المستودعات ومناولة المواد و"سال" و"سافوي".
شملت الحلول التي طرحها المعرض حلول الشحن، وسلسلة التبريد، وعمليات التقاطع والتحميل، وخدمات الموانئ ومحطات الحاويات، وحلول توصيل الميل الأخير، والخدمات اللوجستية للطرف الثالث.
كذلك، استعرض المشاركون أحدث الابتكارات والمنتجات في مجال حلول التخزين، والتي شملت أنظمة مراقبة المخزون، والروبوتات والتحريك، ومعدات المستودعات، والتغليف والوزن والقياس.
نظرا لأهمية قطاع النقل والخدمات اللوجستية وارتباطه الوثيق بمشاريع السعودية الكبرى، تضاعفت أحجام الفرص الاستثمارية المليارية في هذا القطاع، إذ تعتمد تلك المشاريع بشكل كبير على تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد في قطاعات التخزين والنقل والخدمات اللوجستية لتلبية احتياجاتها.
السعودية على خريطة التجارة العالمية
استفادت السعودية من موقعها الجغرافي الرابط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا لزيادة تنافسيتها في قطاع الخدمات اللوجستية، الذي يعتمد على تسهيل حركة التجارة حول العالم، حيث ارتقت من المرتبة 55 عالميا في 2018 على مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، لتحتل المرتبة 38 في 2022، لتكون بذلك قد اقتربت من بلوغ المرتبة 25 المستهدفة في رؤية 2030.
بينما كان الموقع الجغرافي أحد أهم الركائز التي انطلقت منها رحلة تمكين السعودية من ربط الخطوط التجارية والملاحية، والتحول إلى منطقة لوجستية عالمية لخدمة أسواق الشرق الأوسط وشمال وغرب أفريقيا، فقد كانت رؤية 2030 البوصلة التي حركت هذا القطاع في الاتجاه الصحيح، حيث انطلقت الجهات التنفيذية من برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، أحد برامج الرؤية.
في عام 2017، أي بعد سنة واحدة من انطلاق رؤية 2030، بدأ تشغيل المرحلة الثانية من سكة قطار الشمال، ورغم جائحة كورونا، شهد ذلك العام إطلاق أول خط ملاحي يربط السعودية بدول شرق أفريقيا، كما أُطلق خط ملاحي جديد بين ميناء الجبيل التجاري ودول شرق آسيا.
في العام التالي، أُطلق خط شحن ملاحي جديد يربط ميناء جدة الإسلامي بشمال أوروبا والبحر المتوسط والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وشمال أفريقيا وجرى ضم الخدمات اللوجستية لوزارة النقل، ليصبح اسمها وزارة النقل والخدمات اللوجستية.
أنشئت العام الماضي منطقة لوجستية جديدة في ميناء جدة الإسلامي، كما أضيفت 34 خدمة شحن ملاحية جديدة في كل من ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبدالعزيز في الدمام وميناء الجبيل التجاري، واعتُمد المخطط العام للمنطقة اللوجستية المتكاملة لمطار الملك سلمان.
السكك الحديدية والنقل الجوي والموانئ العمود الفقري لدعم الخدمات اللوجستية
ضخت السعودية استثمارات هائلة في مشروعات الموانئ وخطوط النقل الجوي وشبكة السكك الحديدية.
من أبرز ثمار هذا التوجه، افتتاح أكبر استثمار لوجستي لشركة "ميرسك" العالمية في ميناء جدة الإسلامي، بأكثر من 1.3 مليار ريال، والاستثمار في مشاريع تطوير وتشغيل محطات الحاويات والمراكز اللوجستية.
أسهمت الإستراتيجية الوطنية للطيران وبرنامج الربط الجوي، في نمو حجم الشحن الجوي إلى 1.2 مليون طن متري العام الماضي، مقارنة مع 918 ألف طن في العام السابق عليه، فيما نما عدد الرحلات عبر مطارات السعودية بقوة ليسجل 905 آلاف رحلة.
أطلقت السعودية كذلك شبكة حديثة للسكك الحديدية، أسهمت في تعزيز ربط مناطق المملكة ببعضها بعضا، وشكلت جزءا أصيلا من أدوات تحول السعودية إلى مركز لوجستي عالمي ومسرّع لحركة التجارة في الداخل وعلى المستوى العالمي.
كانت السعودية قد أنشأت أول خط للسكك الحديدية في الفترة من 1947 إلى 1951 لربط مدينة الرياض بميناء الدمام.