خبراء لـ"الاقتصادية": التمويل السعودي القطري سيغطي 37 % من الرواتب في سورية
خبراء لـ"الاقتصادية": التمويل السعودي القطري سيغطي 37 % من الرواتب في سورية
يسهم التمويل السعودي القطري في تنشيط الاقتصاد السوري، حيث يتوقع أن يؤدي الدعم إلى تعزيز قيمة الليرة أمام الدولار بسبب ندرة النقد الأجنبي، بحسب ما ذكره مسؤولون وخبراء، استطلعت "الاقتصادية" آراءهم.
السعودية ممثلة في الصندوق السعودي للتنمية، وقطر ممثلة في صندوق قطر للتنمية، أعلنتا أمس الأربعاء تقديم دعم مالي مشترك بقيمة إجمالية تبلغ 89 مليون دولار، للمساهمة في دعم العاملين بالقطاع العام في سورية لمدة 3 أشهر، لضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية للشعب السوري وتعزيز مخصصات الميزانية.
المسؤولون والخبراء أشارو إلى أن التمويل سيغطي 37% من فاتورة الرواتب الشهرية، ما يعادل 12% من احتياطيات المصرف المركزي، مؤكدين أن السيولة ستعزز القدرة الشرائية لشرائح واسعة من الأسر وسينعكس إيجابا على السوق المحلية، مبيّنين أن المركزي سيستعيد نشاطه في استعمال أدوات السياسة النقدية لضبط التوازن، وسيسهم التمويل بتحسين ثقة المستثمرين الإقليميين وتهيئة بيئة أولية للعودة التدريجية للتمويل الخارجي.
أستاذ الأعمال الدولية وعضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية وعضو مجلس الأعمال السعودي القطري، عبد المحسن بن صالح آل الشيخ، أوضح أن هذا الدعم يمثل حرص السعودية وقطر على نجاح الدولة السورية الجديدة، ومساندتها لتسهيل أعمالها وتوفير رواتب القطاع الحكومي، إضافة إلى دعم عملية التنمية المخطط لها من قبل دمشق.
وأشار إلى أن "التمويل يعد جزءا من الدعم الاقتصادي لسورية واستقرارها، حيث شهدنا خلال الشهر الماضي وفد لرجال أعمال سعوديين قدموا للاستثمار في سورية، وتم إعلان مذكرات تفاهم لمشاريع بمليارات الريالات في مجالات الطاقة وغيرها من المشاريع التنموية".
من جهته، قال عضو المكتب التنفيذي في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة اللاذقية، عصام صوفي، إن طرح هذا المبلغ بالسوق السورية اليوم سيؤدي إلى تعزيز قيمة الليرة أمام الدولار بسبب ندرة النقد الأجنبي حاليا، ما يخلق شيء من التوازن بالعرض بالسوق بين العملة المحلية والأجنبية، ما يساعد على إنعاش السوق وتسريع التعافي الاقتصادي.
تسريع التعافي الاقتصادي
صوفي الذي شغل منصب مدير مصرف سورية المركزي باللاذقية سابقا، أكد أن دفع الرواتب بكتلة واحدة شهريا من قبل المصرف المركزي سيؤدي إلى توفير الليرة بكمية أكبر بالسوق "وبالتالي تزداد حركة التبادل والنشاط التجاري بالسوق دون أن يحصل تضخم نقدي، نظرا لتوافر كمية القطع الأجنبي المقابلة له، ويساعد هذا الأمر المصرف المركزي على استعادة نشاطه في استعمال أدوات السياسة النقدية لضبط التوازن والتدخل بالسوق عند اللزوم".
وبيّن أن الدعم والحركة الاقتصادية الناتجة ستؤدي إلى تشغيل أكثر للعمالة الفائضة، ما سيبعث برسائل اطمئنان وتشجيع للمستثمرين الأجانب للقدوم بسبب المناخ الاستثماري الآمن، مشيرا إلى أن هذه الوقفة السعودية القطرية مع سورية تصب في تعميق أواصر الحب والأخوة بين الشعوب في الدول الثلاث، وتأتي بالوقت المناسب جدا في ظل حاجة الحكومة السورية لكل أنواع الدعم للتخفيف ما يمكن عن الأعباء الكبيرة التي تتحملها.
وأعلنت الرياض والدوحة أبريل الماضي، سداد متأخرات دمشق لدى البنك الدولي، التي تبلغ 15 مليون دولار، في إطار الجهود التي تبذلها البلدان في دعم وتسريع تعافي اقتصاد سورية، كما قدمت السعودية مطلع سبتمبر الجاري منحة بـ 1.65 مليون برميل من النفط الخام إلى سورية لتشغيل المصافي، وتحقيق الاستدامة التشغيلية والمالية لدعم تنمية الاقتصاد ومواجهة التحديات الاقتصادية.
الرواتب 12% من احتياطيات المركزي
نقيب الاقتصاديين السوريين محمد البكور أوضح لـ "الاقتصادية"، أن الـ 89 مليون دولار إيجابية ومهمة لتهدئة الضغوط الاجتماعية على الحكومة، والضمان المؤقت لاستمرار الخدمات العامة، وتوفر سيولة للدفعات الجارية، منوها بأنه يتوقع أن يغطي التمويل ما يصل إلى 37% من فاتورة الرواتب الشهرية تعادل 12% من احتياطيات المصرف المركزي، ما يخفف الضغط المالي ويدعم القوة الشرائية مؤقتا.
البكور أكد أن التمويل سيسهم في استقرار الليرة وتحسين الخدمات العامة، كما أنه يشكل إشارة إيجابية نحو عودة سورية للانخراط مع محيطها الإقليمي، وإعادة بناء الثقة تدريجيا في الاقتصاد المحلي، ويدعم استمرار تقديم الخدمات العامة الأساسية (الصحة، التعليم، الكهرباء وغيرها)، ويمنع تفاقم الأزمات الإنسانية العاجلة.
وأفاد بأنه من آثار هذا الدعم على التضخم وسعر الصرف والبنك المركزي حيث سيكون التأثير يعتمد على طريقة التحويل والصرف، مضيفا: "إذا سلمت الأموال كموجودات نقدية بالعملة الصعبة إلى المصرف المركزي أو بآلية رسمية ثم صرفت لرواتب بالليرة عبر قنوات مصرفية رسمية، فقد تساعد على دعم احتياطيات العملة الصعبة وتحسين قدرة المصرف المركزي على التدخل لسعي استقرار سعر الصرف. أما إذا تم تحويل المبلغ مباشرة إلى حسابات محلية أو إلى شركات دفع دون تدخل احتياطي نقدي تحوطي، فسيكون الأثر على الاحتياطيات محدودا وقد يخلق ضغوطا تضخمية عند ضخ سيولة محلية كبيرة بسرعة".
وحول التأثير قصير الأجل في سعر الصرف، توقع البكور أن يكون محدودا لأن 89 مليون دولار مقابل اقتصاد بأزمات وميزانيات كبيرة يبقى رقما صغيرا نسبيا لكنه مهم عمليا لأسابيع وأشهر، إذا استخدم لتمويل أجور، فإذا احتاجت السوق المحلية لبيع الدولار مقابل الليرة لتمويل الإنفاق الحكومي فسيتسبب ذلك بضغط على العملة ما لم يعط المصرف المركزي آلية امتصاص.
استقرار للخدمات العامة
المحلل الاقتصادي في الشأن السوري محمد الحمود، قال إن الدعم المالي المشترك من السعودية وقطر البالغ 89 مليون دولار، خطوة ذات انعكاسات مباشرة على الاقتصاد السوري، فمن جهة يسهم في تحقيق استقرار نسبي للخدمات العامة عبر تأمين رواتب العاملين في القطاع العام، ما يضمن استمرار المرافق الحيوية مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه.
وأضاف: "كما أن ضخ هذه السيولة يعزز القدرة الشرائية لشرائح واسعة من الأسر، الأمر الذي قد ينعكس إيجابا على نشاط السوق المحلية، ويُضاف إلى ذلك أن هذا التمويل يخفف الضغط عن الخزينة العامة في المرحلة الحالية، ما يتيح توجيه الموارد المحلية نحو أولويات اقتصادية أخرى".
الدعم المالي المشترك يهدف إلى تعزيز فرص وسبل العيش المستدامة والتعافي الاقتصادي الشامل، بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتنفيذ مشروع الدعم وتعزيز جهود الاستدامة، وتقوية النظم وشمولية القطاع المالي، والسعي إلى الوصول إلى التنمية المستدامة في سورية.
وحرصت السعودية على تنسيق جهودها مع قطر ودول المنطقة لدعم الحكومة السورية، بما يحقق التكامل والتضامن لرفع معاناة الشعب السوري وتعزيز أمنه واستقراره، ويبرز الدعم المشترك لسورية الدور القيادي للسعودية دوليا في مساندة الشعب السوري سياسيا واقتصاديا، امتدادا لمبادراتها السابقة في الطاقة، وسداد المتأخرات، والسعي إلى رفع العقوبات.
أداة فاعلة لتخفيف الضغوط
المحلل الاقتصادي والمدير التنفيذي لشركة "أصول غاما" السورية كاميران خليل أوضح أن الدعم المالي الموجه للعاملين في القطاع العام، شكل إحدى الأدوات الفعالة لتخفيف الضغوط الاقتصادية على الدولة والمجتمع، خصوصا في ظل بيئة العقوبات المعقدة التي تعيق التدفقات الاستثمارية المباشرة، مفيدا بأن هذا النوع من الدعم يمكن اعتباره مؤسساتيا، حيث يذهب مباشرة إلى شريحة واسعة من الموظفين والمتقاعدين، ما يضمن استمرار تقديم الخدمات الأساسية، ويخلق أثرا اقتصاديا مضاعفا من خلال الاستهلاك اليومي وتحريك السوق الداخلية.
خليل قال: "شهدنا في مراحل سابقة نماذج مشابهة، مثل المنح النفطية السعودية لسورية، أو برامج التعاون في القطاعات الإنسانية والصحية، التي أسهمت بتعزيز استقرار الخدمات وتقليل الأعباء على الموازنة، وفي حالة قطاع العاملين تحديدا، يعد من أكثر القطاعات استهلاكا لموارد الدولة عبر الرواتب والمعاشات والتعويضات، وبالتالي فإن دعمه بشكل مباشر يخفف من عجز الميزانية، ويساعد على الحفاظ على استقرار سعر الصرف، وتحسين القوة الشرائية للعملة المحلية".
يذكر أن هذا الدعم سيسهم في تحقيق الأهداف الطموحة في المسيرة التنموية، كما يشكل أهمية بالغة في دعم نمو الفرص الحيوية لسورية وشعبها، ويجسّد التعاون التنموي والتضامن الدوليين لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، للإسهام في تعزيز النمو الاجتماعي والازدهار الاقتصادي في سورية، كما أسهمت الجهود السعودية الدبلوماسية في رفع العقوبات الأمريكية عن سورية، ما يعزز الاستقرار والأمن، ويدعم العملية الانتقالية، ويخفف معاناة الشعب السوري بالتعاون مع الشركاء الإقليميين.