صناعة النفط في سورية الطموح والتحديات

كانت زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية الشهر الماضي نقطة تحول كبيرة ليس للدولتين الحليفتين فقط بل للمنطقة على اتساع رقعتها الجغرافية، وعلى الأخص سورية التي تتطلع لمستقبل أكثر ازدهارا وتقدماً، سورية التي يبدو أن قيادتها الجديدة تدرك جيدا أن الاقتصاد هو ما سيحقق لها الاستقرار والازدهار لبلد عانى ويلات حرب أهلية وأتون صراع قضوا على كل مقومات الاقتصاد تقريباً، بعد ضوء في نهاية النفق شكّل بارقة أمل لاقتصاد منهك ودولة تتوق لنفض أنقاض الماضي ورسم مستقبل لشعب يريد البناء والانخراط في ورشة عمل كبرى تضعه ضمن مصاف الاقتصادات الحيوية.

وهنا نقطة التحول تمثلت في إعلان رفع العقوبات الأمريكية عن الدولة السورية من الرياض حيث تبعه لقاء تاريخي بين القيادة السورية الجديدة والرئيس الأمريكي ستظل آثاره لعقود عديدة.

وبالنظر إلى ممكنات الاقتصاد السوري فإن قطاع النفط والغاز يُعد أحد أهم الركائز الاقتصادية، لقد شكل قبل اندلاع النزاع في 2011 ما يقارب ربع الناتج المحلي الإجمالي و مثّل جزءًا كبيرًا من إيرادات التصدير قبل أن يلحق الضرر بهذا القطاع بشكل كبير بفعل الحرب والعقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث أدى إلى شلل شبه كامل في الإنتاج والتصدير.

مع رفع العقوبات الدولية عن سورية وتوقيع اتفاقيات جديدة لتطوير القطاع، تبرز فرص واعدة وحقيقة لإعادة إحياء الصناعة النفطية. فسورية التي تمتلك احتياطيات نفطية تقدر بنحو 2.5 مليار برميل تحتل المرتبة 31 عالميا من الاحتياطيات العالمية. كما تمتلك احتياطيات غاز طبيعي تقدر بنحو 8.5 تريليون قدم مكعب، معظم هذه الاحتياطيات تقع في مناطق شرق سورية، خاصة في دير الزور والحسكة، ولعل التطورات السياسية التي شهدها الداخل السوري والاتفاقيات مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على على أغلبية الحقول النفطية الرئيسية وبين الحكومة المركزية في دمشق تنبئ بأن هذا القطاع سيتحد خلف محرك يدفع بالاستقرار والنمو لتعظيم الاستفادة من الحقول التي لحقها ضرراً بالغاً وتراجعا كبيراً في الإنتاج ونقص في الأساسيات التي تحتاجها مثل هذه الحقول من جراء أتون حرب كانت طويلة ومكلفة.

كان الإنتاج النفطي في سورية قبل العام 2011 يصل إلى نحو 400 ألف برميل يوميًا مع تصدير نحو 150 ألف برميل قبل ان ينخفض الإنتاج بشكل كارثي إلى أقل من 20 ألف برميل يوميًا في فترات زمنية قياسية بسبب تدمير البنية التحتية، وفقدان السيطرة على الحقول، والعقوبات التي حدت من قدرة الحكومة على استيراد المعدات وتأمين التمويل و تراجع معدلات الصيانة ونقص الكفاءات.

لقد أدت العقوبات الدولية، خاصة قانون قيصر الأمريكي، إلى خنق التعاملات المالية والتجارية مع مؤسسات النفط السورية.

رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن مؤسسات النفط السورية، بما في ذلك المؤسسة العامة للنفط، الشركة السورية للنفط والغاز، وشركات التكرير في بانياس وحمص يُعد طوق نجاة للقطاع، حيث سيسمح بتدفق الاستثمارات الأجنبية وسيمنح الثقة للشركات الأجنبية للعودة إلى السوق السورية، خاصة في مجال استكشاف وتطوير الحقول وإعادة تأهيل البنية التحتية التي تقدر تكاليفها نحو 20 مليار دولار، هذا القرار سيتيح للتكنولوجيا الجديدة في قطاع الإنتاج والحفر والاستكشاف وتطوير المكامن والخدمات المساندة ومعالجة وتحسين الآبار والوصول إلى الطبقات الحاملة للزيت والغاز بالمساهمة في إيقاف الضرر الذي لحق في الحقول وتعزيز القدرة الإنتاجية وتنمية الاحتياطيات النفطية والعمل على خفض التكلفة التشغيلية وتعظيم الأرباح التي يحتاجها القطاع النفطي في دولة تحتاج إلى كل روافد الدعم لإنعاش اقتصادها.

ولعل التمويل من المؤسسات المالية العالمية والشراكات الإستراتيجية مع الشركات الكبرى والاتفاقيات التجارية الدولية كما حدث أخيرا مع بعض الدول الإقليمة والولايات المتحدة سيسهم في تدفق الاستثمارات التي تحتاجها الصناعة النفطية السورية.

ولعل أهم الممكنات التي يمكن أن تسهم في تعزيز النمو في الصناعة النفطية السورية هي استقطاب الكفاءات والخبرات المؤهلة لتنفيذ إستراتيجية تهدف إلى النهوض بهذا القطاع الحيوي.

كما أن الاستقرار السياسي المتمثل في توحيد إدارة وقيادة الموارد النفطية ستشكل بلا شك عاملاً مهماً مساعداً في دفع جهود تحقيق النمو المستهدف

سورية الأرض والتاريخ والموارد تحظى بموقع جغرافي إستراتيجي مهم قد لا يكتفي بتعزيز الصناعة النفطية وزيادة معدلات الإنتاج من النفط والغاز بل وسيسهم في صنع فرص اتصال وحرية حركة شحنات النفط عبر البحر الأبيض المتوسط ووصلها إلى القارة الأوروبية ما يجعل الاستثمار في منشآت معالجة ونقل المشتقات النفطية أحد الفرص الاستثمارية الواعدة في سورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي