يبدو أن بكين قد تتجه لتخفيف عدم ثقتها بالعملات المستقرة لكن هذا ليس حباً فيها بل كبحاً للدولار القوي
- يُتوقع أن يتضاعف حجم سوق العملات المستقرة من 5.7 تريليون دولار حالياً
- ستُشكّل هذه العملات تحدياً للسيادة النقدية في بقية العالم
- لا تريد الجهات التنظيمية الصينية أن يُروّج الوسطاء للعملات المستقرة للجمهور المحلي
- الالتزام بتحقق البورصات من هوية حملة الرمز مطلب صيني للتوقي من إساءة الاستخدام
لنبدأ من تحركات بكين السابقة. في عام 2013، أمرت بكين مزودي خدمات الدفع بإلغاء خدماتهم لمنصات مثل ”بي تي سي تشاينا“، التي كانت آنذاك منصة شائعة لتبادل اليوان مقابل "بتكوين".
في 2017، حظرت السلطات الطرح الأولي للعملات، وأغلقت ”بي تي سي تشاينا“ ومنافذ أخرى أبوابها. جاءت الضربة الأكبر للقطاع في عام 2021، عندما أعلنت الجهات التنظيمية أن جميع تداولات العملات المشفرة التي يقوم بها مواطنون صينيون غير قانونية، بما يشمل التعاملات على البورصات الأجنبية.
هل تحوّل الصين الاتجاه؟
مع اقتراب الذكرى السنوية الرابعة لآخر تشديد كبير هذا الشهر، نتوقع أن تكون الخطوة التالية من السلطات تغييراً في موقفها، أي تخفيفاً للقيود، ويبدو التوقيت من قبيل المصادفة إذ إن السبب هو الدولار الأمريكي. أو بتعبير أدق، طوفان متوقع من العملات المستقرة المرتبطة به.
بعدما وافقت الولايات المتحدة على العملات المكافئة للدولار، يُتوقع أن يتضاعف حجم سوق العملات المستقرة من 5.7 تريليون دولار حالياً. مع توسع المعاملات، وإصدار مزيد من الدولارات الرقمية، ستُشكّل هذه العملات تحدياً للسيادة النقدية في بقية العالم.
لن تنجو الصين من هذا الوضع. إذ تتدفق مليارات الدولارات من أصول العملات المشفرة إلى محافظ صينية ذاتية الحفظ. رغم حظر التعدين في الداخل، ما يزال البر الرئيسي سوقاً مهمةً للمضاربة. وقد غضت بكين الطرف عن هذا الوضع حتى الآن، لأن من يراهنون على ارتفاع الأسعار يمكنهم دائماً إيجاد طريقة لشراء "بتكوين" و“إيثريوم“ وأي عملة أخرى رائجة. كل ما يحتاجونه هو الدخول عبر شبكة افتراضية خاصة.
لا يمكن للسلطات اتباع النهج المتساهل نفسه تجاه العملات المستقرة، التي لم تكن ضارةً في الغالب بصفتها جسراً بين النقود التقليدية واستثمارات العملات المشفرة المضاربية. أما كوسيلة تداول رئيسية، فستتجه إلى التعاملات العادية.
سندات الخزينة الأمريكية
هذا لن يلقى استحساناً لدى بكين، فكل جهة مصدرة لعملة مستقرة بالدولار ستشتري ديون الحكومة الأمريكية لدعم التزاماتها. تملك شركات مثل ”تيثر“ و“سيركل إنترنت“، اللتين أصدرتا (USDT) و(USDC)، أوراقاً مالية قصيرة الأجل مقومة بالدولار في واقع الحال تفوق ما تملكه الصين. قد يعزز الإقبال الصيني المتزايد على هذه العملات، وخاصةً للمدفوعات عبر الحدود، الأصول الأمريكية الآمنة، وبالتالي الدولار نفسه.
اليوان الصيني ليس ضمن أكبر 5 عملات دفع عالمية، لكن طموح الصين هو عكس ذلك تماماً. فهي لا تريد أن تمضي هذا القرن تحت نير الدولار. مع ذلك، لن يحقق مزيد من الحظر شيئاً. لقد حان وقت الانضمام إلى اللعبة للتغلب على العملات المستقرة الأمريكية بحيث يكون ذلك في هونج كونج. تُعدّ المنطقة الإدارية الخاصة مركزاً مالياً عالمياً، ومختبراً لبكين لتجارب العملات المشفرة.
تستعد المدينة لإصدار تراخيص لعملات دولار هونج كونج المستقرة. ومع ذلك، قد تستضيف المدينة مستقبلاً نسخاً رقمية منظمة من اليوان، أو على الأقل نسخته الخارجية (CNH)، وهذا احتمال تتناوله أصوات صينية مؤثرة.
قد تكمن فائدة هذه العملات في الجغرافيا السياسية. فقد منحت حرب الرسوم الجمركية التي شنتها إدارة ترمب الصين دافعاً جديداً للاستعجال في بحثها عن مجال نفوذ خاص بها.
يمثل الاجتماع الودي للرئيس شي جين بينج في تيانجين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والمكالمة الهاتفية المرتقبة مع قادة مجموعة بريكس التي دعا إليها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، فرصاً للصين لتشكيل تحالفات تجارية ومدفوعات جديدة.
عملات تصدر في هونج كونج
كان يُعتقد على نطاق واسع أن النسخة الرقمية من العملة الرسمية (e-CNY) ستُكمّل الجهود الحكومية الأخرى، مثل(CIPS)، التي تتجنب الدولار وتُسهّل التجارة مع روسيا باليوان. ومع ذلك، لم تنطلق عملة (e-CNY) تماماً حتى داخل الصين. ويبدو مرجحاً أن ينتقل تركيز بكين فيما يتعلق بالمدفوعات عبر الحدود إلى عملات مستقرة يصدرها القطاع الخاص في هونج كونج، وهي النوع الذي تضغط من أجله شركتا ”جيه دي دوت كوم“ (JD.com) و”آنت“ التابعة لمجموعة "علي بابا".
لكن هل ترغب بكين في مباركة مثل هذه المشاريع ولو ضمنياً؟ لم تعد "بتكوين" الوسيلة المفضلة لغسل الأموال. إن أكثر من ثلاثة أخماس الأنشطة غير المشروعة القائمة على العملات المشفرة تستخدم العملات المستقرة حالياً.
سيُشكّل وجود نسخة رقمية من اليوان الخارجي، تنتقل من محفظة مجهولة إلى أخرى على سلسلة ”بلوكتشين“، نفس الخطر. لهذا تُلزم هونج كونج الجهات المُصدرة -أو بورصات العملات المشفرة المُرخصة في المدينة- في البداية على الأقل بالتحقق من هوية حاملي الرموز في كل مرة تُصدر فيها عملات مستقرة أو تُسترد أو تُتداول.
في عالم العملات المشفرة الذي لا يخضع لأي قيود، يُعد هذا قيداً مرهقاً جداً. أما بالنسبة لبكين، فهو حاجز أمان بالغ الأهمية. لا تريد الجهات التنظيمية أن يُروّج الوسطاء للعملات المستقرة للجمهور المحلي، فهم يريدون نمواً متصاعداً وليس جنوناً.
كتبت زوجيوان زوي ليو، الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية: "من خلال السماح بتجارب عملات مستقرة قائمة على اليوان الصيني (CNH) في هونج كونج، يُمكن للسلطات الصينية استكشاف تداول الرنمينبي الرمزي في الخارج مع الحفاظ على ضوابط رأس المال في البر الرئيسي".
لن تجعل عملات (CNH) المستقرة اليوان عملة الاحتياطي المفضلة عالمياً. ولن تزيد حصته البالغة 3% في المدفوعات العالمية بقوة حتى لو استطاعت بكين إقناع الموردين في دول مبادرة الحزام والطريق بقبول اليوان الرقمي من القطاع الخاص كوسيلة دفع.
الهدف هنا هو الحفاظ على مكانتها فيما يسعى البيت الأبيض القوي إلى استغلال سيطرته على التدفقات المالية العالمية كسلاح. لم تتحول الصين لتحب العملات المشفرة أكثر مما مضى، لكنها لم تُدر ظهرها أبداً لتقنية ”بلوكتشين“، وقد حان وقت جني ثمار هذا من خلال دخول عالم العملات المستقرة.
كاتب في بلومبرغ ويغطي الشركات الصناعية والخدمات المالية. وكان كاتب في رويترز بريكنج فيوز. عمل في Straits Times وET NOW وBloomberg News.
