جرائم الكريبتو هي المستقبل وسرقة البنوك باتت من الماضي
تصاعُد الاعتداءات الجسدية على حاملي الأصول الرقمية يسلّط الضوء على الثمن الخفي لمجتمع بلا نقد
جرائم الكريبتو هي المستقبل وسرقة البنوك باتت من الماضي
حاملو الأصول الرقمية يواجهون مخاطر أمنية متزايدة بعد أن أصبح كل منهم "مصرفاً في حدّ ذاته"
مع تحليق عملة "بيتكوين" وتسجيلها رقماً قياسياً جديداً، بات حلم أن "يكون المرء مصرف نفسه" يراود عدداً متزايداً من المستثمرين، بفضل رموز رقمية يمكن نقلها فوراً وبشكل مجهول، من خارج النظام المالي التقليدي. لكن في المقابل، يغفل كثيرون عن التكلفة الحقيقية لتولّي كلّ شخص دور حارس أمن مصرفه الخاص، في عالم تغيب عنه الأموال النقدية.
سرقات إلكترونية واعتداءات جسدية
بحسب "بلومبرغ نيوز"، سُجل في الآونة الأخيرة ارتفاع لافت في عدد عمليات اختراق منصات تداول العملات المشفّرة، تزامناً مع سلسلة من المحاولات الجريئة لاختطاف مديرين تنفيذيين في مجال الكريبتو، كان آخرها في وضح النهار في أحد شوارع باريس، ما أثار حالة من القلق في القطاع، وسلّط الضوء على الحاجة إلى تعزيز التدابير الأمنية.
ووفقاً لقاعدة بيانات واحدة، سُجّلت 23 هجمة من هذا النوع منذ بداية العام، مقارنة بـ6 فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وقد أسفرت بعض هذه الحوادث عن إصابات مروّعة، من بينها بتر أصابع، ما زاد الضغوط على الحكومة الفرنسية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، رغم أن معدلات الجرائم مثل القتل عادة ما تكون منخفضة نسبياً في البلاد وفق الإحصاءات.
لا تقتصر هذه الحوادث على بلد بعينه، فأنماط الجريمة تغيرت في كلّ مكان. إذ لم تعد المصارف هدفاً سهلاً أو مغرياً للصوص، حيث تراجعت عمليات السطو المصرفي بأكثر من 80% منذ تسعينيات القرن الماضي، في ظل إغلاق عدد كبير من الفروع، وندرة احتفاظها بكميات كبيرة من النقود في خزناتها.
وفي عالم بات يتيح تسديد المدفوعات بكبسة زر أو تمرير بطاقة، قلّ ما يحمله الأفراد من أموال نقدية. وكان الحرص على السلامة الشخصية أحد الدوافع التي طرحها بيورن أولفايوس، عضو فرقة "آبا"، قبل نحو عقد، في دعوته لتحويل السويد إلى اقتصاد بلا نقد.
مجرمون أكثر تمرساً في التكنولوجيا
في المقابل، انتشرت أنماط جديدة من الجريمة بفعل تأقلم اللصوص مع التحوّلات التكنولوجية والاجتماعية المتسارعة. فقد أدى انتشار المحافظ الرقمية على منصات مثل "كوين بيس" Coinbase Global إلى استقطاب القراصنة الإلكترونيين الذين باتوا يستهدفونها للحصول على بيانات العملاء. ووفقاً لشركة الامتثال "تي آر "م" TRM، زادت عمليات اختراق منصات التداول بنسبة 17% خلال العام الماضي.
في الوقت نفسه، أصبحت عمليات السلب، مثل سرقة الساعات الفاخرة، تدرّ عوائد أعلى مع بلوغ قيمة الساعات المسروقة أو المفقودة في المملكة المتحدة نحو 1.6 مليار جنيه إسترليني (2.1 مليار دولار)، بحسب قاعدة بيانات "ووتش ريجستر" Watch Register.
كما تصاعدت وتيرة السطو المنزلي، ومن أبرز تلك الحوادث واقعة السطو المسلح التي تعرّضت لها نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان داخل فندق في باريس عام 2016.
هذا التصاعد في عدد الاعتداءات الجسدية التي تستهدف حاملي العملات المشفّرة وعائلاتهم يأتي في سياق تطوّر منطقي قاتم للأمور، يستحضر زمن قطّاع الطرق من أمثال ديك توربين قبل نشوء النظام المصرفي.
فسهولة تحويل رؤوس الأموال الرقمية تقابلها هشاشة في الحماية الجسدية. وقد ابتُكر مصطلح لوصف الابتزاز المباشر لحاملي العملات المشفّرة هو "هجوم المفتاح الإنجليزي" Wrench Attack، نظراً لبساطة هذه الاعتداءات ووحشيتها، وإمكانية تحقيق عائد مرتفع منها.
يمكن لهفوة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تكشف موقع الضحية للمجرمين الذين باتوا هم أيضاً أكثر تمرّساً في التقنيات، وقادرين على تنسيق عمليات السطو عبر قنوات رقمية.
تعزيز الردع
الردع أساسي في التصدّي لهذا النوع من الجرائم، ومن الجيد أن الشرطة تبذل جهوداً فعّالة في تعقّب العصابات ومصادرة الفديات المدفوعة. لكن في فرنسا، يظلّ اكتظاظ السجون مصدر قلق، لما له من تبعات على الأحكام القضائية.
إلى ذلك، يصطدم النقاش حول الموازنة بين الأمن والحرية بروح التحرر التي تُشكّل جوهر فلسفة العملات المشفّرة.
يرى بعض روّاد قطاع العملات المشفّرة أن أفضل وسيلة لتفادي الاستهداف هي في التمسّك أكثر بالطابع المجهول للعمليات، إلى جانب المطالبة بحق حمل السلاح، رغم أن هذا الحق يخضع لقيود مشددة في فرنسا.
لكن، ومن دون أن أبدو شديد التحسس أو "أوروبياً بامتياز"، لست مقتنعاً بهذه المقاربة.
يقول برونو بومار، العضو السابق في وحدة النخبة "RAID" في الشرطة: "حمل السلاح خطوة بالغة الجدية وتتطلّب تدريباً جدياً"، مضيفاً أن "ذلك لا يحلّ مشكلة أفراد الأسرة المعرّضين للخطر الموجودين في أماكن أخرى".
الحلّ على الأرجح سيكون في الاعتماد على شركات الأمن الخاص وتحسين الحماية. وقد أخبرني سلفاتوري فيرناري، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن "توباز جروب" Topaz Group، بأنه على تواصل أكثر مع شخصيات بارزة في قطاع العملات المشفّرة، ويقدّم لهم استشارات لإعادة التفكير بشكل كامل في طريق حماية أنفسهم والمحيطين بهم.
وأضاف "عالم الكريبتو يمرّ اليوم بالتجارب نفسها التي مرّت بها المصارف في السابق".
لكن، لكل ذلك ثمن، فقد يخلص بعض المستثمرين إلى أن امتلاك العملات المشفّرة لا يستحق المخاطرة. حتى إن أحد المديرين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا قال لي "إنه باع محفظته بالكامل بحثاً عن راحة البال".
وقد تقرر الهيئات الناظمة في نهاية المطاف أن مكافحة الجريمة تستدعي مزيداً من المركزية في عالم الكريبتو.
بعد أن تعرّضت إيطاليا لموجة من حوادث الخطف الصادمة خلال ما يُعرف بـ"سنوات الرصاص"، لجأت الحكومة في نهاية المطاف إلى وسيلة ردعية تمثّلت في تجميد الأصول المالية للضحايا وعائلاتهم، بهدف تقليص دوافع الابتزاز.
إلا أن مثل هذه الإجراءات ستلقى رفضاً تاماً من قبل مالكي العملات المشفّرة. لكن إذا كنا نسير جميعاً نحو أن نصبح "مصرف أنفسنا"، فقد يكون هذا إنذاراً يستحق التفكير فيه ملياً.
خاص بـ "بلومبرغ"