هل حان وقت «الجنوب العالمي»؟

ربما يكون عصر "الاستثناء الأمريكي" قد ولّى، ومعه النظام الاقتصادي والمالي العالمي الذي قادته واشنطن على مدى الخمسين عامًا الماضية. وهذا يطرح على المستثمرين سؤالًا جوهريًا: كيف سيُعيد هذا تشكيل تدفقات رأس المال؟

الوجهة الأبرز هي أوروبا، موطن ثاني أكبر اقتصاد وثاني أكبر عملة احتياطية في العالم، حيث الأسواق عميقة وسيولة، ويسود فيها حكم القانون.

قد يبدو ما يُسمى "الجنوب العالمي" أقل جاذبية، فدوله المتباينة، التي يزيد عددها على 100 دولة، باستثناء الصين، تحمل في طياتها مزيجًا متنوعًا من مخاطر الأسواق الناشئة، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي، والمخاوف القانونية، ومصداقية صنع السياسات.

لكن المشهد الاقتصادي والاستثماري العالمي يتغير بسرعة، وربما بشكل لا رجعة فيه، وقد يخشى المستثمرون من أن يجدوا أنفسهم مرة أخرى مُركّزين بشكل مفرط في منطقة واحدة. لذلك، قد يفكر المستثمرون ذوو الآفاق طويلة الأجل ومستويات المخاطر العالية بشكل متزايد في زيادة مخصصاتهم لهذه "الكتلة" الضخمة والمتنوعة.

لطالما كان أداء هذه الدول أقل من وزنها في السوق المالية. ولكن هل يُمكنها الاستفادة من تحول في إعادة توزيع رأس المال العالمي؟هذا من بين النتائج التي توصل إليها تقرير نشره الأسبوع الماضي إستراتيجيو دويتشه بنك بعنوان "الجنوب العالمي: نهج إستراتيجي للكتلة العالمية الرابعة".

يقول التقرير: "لقد حان وقت الجنوب العالمي"، ويُعرّف هذا التقرير هذه الكتلة بصورة عامة بأنها الدول الأعضاء الـ134 في مجموعة دول الـ77، باستثناء الصين وروسيا وسنغافورة وبعض الدول الأخرى، إضافة إلى المكسيك وتركيا وبعض دول آسيا الوسطى.

وتجدر الإشارة إلى بعض الأرقام هنا. تُعدّ المجموعة موطنًا لما يقرب من ثلثي سكان العالم في سن العمل، وتُنتج 40% من الطاقة والمعادن الانتقالية الرئيسية في العالم، وتُمثّل ربع التجارة العالمية، وقد اجتذبت ما يقرب من ربع إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد على مدى العقد الماضي.

في الواقع، تُشير مجموعة بوسطن الاستشارية إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في دول الجنوب العالمي بلغ 525 مليار دولار في 2023، متجاوزًا الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات المتقدمة البالغ 464 مليار دولار.

ورغم أنه من السابق لأوانه للغاية تحديد كيفية مواءمة الدول سياسيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا في السنوات المقبلة، فإن هناك بالفعل دلائل على دوران رأس المال نحو دول الجنوب العالمي وبعيدًا عن الصين.

كان الصعود الاقتصادي للصين في العقود الأخيرة من أكثر الصعودات إثارة للدهشة في تاريخ البشرية. في 1990، لم تُمثل الصين سوى 2% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة. وبحلول 2021، وصل هذا الرقم إلى 33%، مُقاربًا بذلك حصة دول الجنوب العالمي آنذاك.

لكن معدلات نمو الصين قد توقفت، ولا سيما منذ الجائحة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تُنهي حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة هذا العقد عند نحو 35%، بينما سترتفع حصة دول الجنوب العالمي إلى مستوى قياسي جديد يبلغ 40%.

ومن منظور تخصيص الأسهم، هناك مساحة كبيرة للنمو، فقد شكّلت دول الجنوب العالمي 11% فقط من القيمة السوقية العالمية في نهاية العام الماضي، حيث استحوذت دولتان -الهند والسعودية- على أكثر من نصف هذه الحصة. إذا تراجعت هيمنة الأسهم الأمريكية -وهي تُشكل حاليًا أكثر من 70% من القيمة السوقية العالمية- فإن أي إعادة تخصيص ولو ضئيلة لهذه المجموعة قد يكون لها تأثير كبير في تقييمات هذه الدول.

من الجيد أن نتذكر أن الصادرات الصينية إلى "اقتصادات التوصيل" في الجنوب العالمي قد تضاعفت منذ الحرب التجارية الأولى لترمب عام 2018. ونظرًا لمدى عدم موثوقية الولايات المتحدة الآن، فمن المنطقي افتراض أن كلًا من الصين وأوروبا قد تسعيان إلى زيادة تنويع صادراتهما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي