لماذا تهدد التوترات بين الهند وباكستان استقرار الاقتصاد العالمي؟
شهدت الأسابيع الأخيرة تجدد الصراع التاريخي بين الجارتين الهند وباكستان. وتحمل التوترات بين الطرفين مخاطر عديدة تؤثر في الاقتصاد العالمي، وتلقي بمزيد من الضغوط على نموه واستقراره، وذلك في ظل اضطرابات تجارية وجيوسياسية بين القوة الفاعلة في الاقتصاد العالمي. أهمية الدولتين تنبع من الإمكانات الاقتصادية المتنوعة المتوافرة لديهم سواء البشرية أو الزراعية أو الصناعية التي تجعلهم قادرين على التأثير في هيكل العرض والطلب العالمي.
البداية من الهند أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، التي وصل حجم ناتجها المحلي الإجمالي في 2024 إلى 3.9 تريليون دولار، ما جعلها خامس أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان. وفي 2023 تبوأت الهند المرتبة السادسة لأكبر قوة صناعية في العالم، مستحوذة على 2.8% من الإنتاج الصناعي العالمي، ومتفوقة على دول مثل فرنسا وإيطاليا والمكسيك.
على مستوى الثروة الزراعية ووفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية فقد جاءت الهند في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث إنتاج الحبوب في 2023/2022 بعد الصين والولايات المتحدة، بحجم إنتاج وصل إلى 297 مليون طن متري. وقد جاءت الهند في المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج القمح خلال الفترة نفسها بحجم إنتاج وصل إلى 104 ملايين طن متري، وجاءت في المرتبة الثانية من حيث إنتاج الأرز وذلك بنحو 136 مليون طن.
بالوصول إلى باكستان فأنها تشكل أهمية للاقتصاد العالمي سواء من حيث القوة السكانية الهائلة التي تتجاوز 240 مليون نسمة أو الإمكانات الزراعية الكبيرة في إنتاج سلع مهمة في هيكل الأمن الغذائي للعالم مثل القمح والأرز.
القدرات التي تملكها الدولتان على المستوى السكاني والاقتصادي تجعلهما قادرتين على التأثير في هيكل الطلب العالمي. حيث يعتمد اقتصاد باكستان والهند على الأسواق الخارجية لتلبية احتياجاتها من السلع المختلفة سواء الاستهلاكية أو الوسيطة، وفي حال تجدد الصراع فإن جزءا من الميزانية ستوجه للأغراض العسكرية، وبالتالي سينخفض الطلب على السلع المختلفة وعلى رأسها الطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي.
التضخم لن يكون بمعزل عن التوترات بين الهند وباكستان. ففي ظل قدرات البلدين خصوصا الهند في توفير الإمدادات العالمية سواء الزراعية أو الصناعية، فإن أي خلل أو وقف التصدير لسلع مهمة سينعكس سلبا على مستويات الأسعار، التي ستقفز نتيجة انخفاض المعروض أو القفزة في تكاليف الشحن في ظل ارتفاع المخاطر.
استئناف الاضطرابات بين البلدين ستشكل ضربة لسلاسل الإمداد والتوريد العالمية. ففي ظل توترات تجارية عالمية وتوجه الشركات لاتخاذ الهند مقرا للتصنيع والإنتاج كبديل لأسواق أخرى مثل الصين فإن الصراع سيؤثر بشكل سلبي في عمليات الإنتاج بسبب ارتفاع المخاطر الأمنية واللوجستية وتضرر البنية التحتية اللازمة لعمليات التصنيع والتجارة مثل الكهرباء والموانئ والمطارات.
قطاع التكنولوجيا لن يكون بمنأى عن الصراع بين الهند وباكستان، حيث تعد الهند واحدة من أهم الفاعلين في قطاع التكنولوجيا سواء عبر الاستثمارات الأجنبية في البلاد في قطاعات مثل أشباه الموصلات والسلع الإلكترونية، أو قوتها العاملة المتطورة في القطاع التي توفر خدمات ذات أهمية كبيرة مثل البرمجيات لكبرى الشركات العالمية. وستكون تلك الخدمات عرضة للمخاطر بسبب تأثر البنية التحتية.
تأثير الصراع سيمتد إلى المملكة، حيث تُعَدُّ الدولتان من الشركاء التجاريين الأساسين للسعودية، على سبيل المثال وصلت صادرات السعودية إلى الهند في 2024 إلى 102 مليار ريال لتأتي في المرتبة الرابعة كأكبر الأسواق الخارجية لسلع السعودية، بينما جاءت باكستان في المرتبة 18 بحجم واردات من المملكة وصل إلى 15 مليار ريال. ويهدد الصراع بين البلدين بانخفاض الطلب على السلع من السعودية وخصوصا في قطاعات الطاقة والبتروكيماويات.
كما يعتمد السوق السعودية على الدولتين وبخاصة الهند في تلبية احتياجاتها من مختلف السلع، حيث وصلت وراداتها من الهند في 2024 إلى 47 مليار ريال لتحتل المرتبة الرابعة كأكبر المصدرين إلى السعودية.
ختامًا فإن الصراع بين الهند وباكستان يحمل في طياته آثارا اقتصادية سلبية للاقتصاد العالمي، بسبب أهمية الدولتين في هيكل العرض والطلب العالمي. وما يزيد من كارثية الصراع هو أنه يأتي في وقت يعاني العالم فيه اضطرابات وتوترات تجارية غير معهودة تهدد بدخول الاقتصادات في أزمات قد تنتهي بالدخول في مرحلة الركود التضخمي.