حصاد زيارة ترمب إلى السعودية .. مكاسب مزدوجة للرياض وواشنطن في كل شيء
عندما حطت "إير فورس وان" في السعودية وعلى متنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، كانت تحمل معه نخبة من أقطاب اقتصاد الولايات المتحدة والعالم، وفي جعبتهم استثمارات ضخمة، تشكل ملامح شراكة إستراتيجية أُعلن عنها خلال الزيارة التاريخية، وتحقق مكاسب للرياض وواشنطن في كل شيء.
اختار سيد البيت الأبيض السعودية لتكون أولى محطات زياراته الخارجية منذ تنصيبه مطلع هذا العام؛ ومنها أعلن أيضا أنه سيلغي العقوبات على سورية لمنحها فرصة للازدهار، بعد مشاورات أجراها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي قال ترمب "إنه سيفعل أي شيء يطلبه منه".
لقاء تاريخي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس ترمب في ضيافة ولي العهد السعودي، قبيل قمة خليجية أمريكية تاريخية ضمت قادة المنطقة في العاصمة السعودية الرياض، التي انطلقت منها التأكيدات على الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ودعم استقرار الشرق الأوسط.
في يوم الوصول، وبعد استقبال سمته الأبرز الحفاوة البالغة وشهد إجراء مباحثات قمة بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترمب، كانت المشاركة المهمة في منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي، الذي كان قد انطلق بمناسبة الزيارة.
من موقع الحدث، أعلنت السعودية والولايات المتحدة التوقيع على وثيقة الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، بما يشمل 145 اتفاقية بقيمة إجمالية بلغت 300 مليار دولار، ضمن شراكة بقيمة 600 مليار دولار كان ولي العهد السعودي قد تعهد بها، ومن المستهدف وصولها إلى تريليون دولار في مرحلة لاحقة.
أكد ولي العهد السعودي أن هذه الاتفاقيات ستدعم فرص توطين الصناعات في السعودية. ووصف البيت الأبيض الاتفاقيات بأنها "أكبر مجموعة من الاتفاقيات التجارية المسجلة بين البلدين"، مشددا على أنها تفتح فرصا جديدة من خلال تحالفات أعمق.
قطاعات متعددة للتعاون السعودي - الأمريكي
شملت الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين السعودي والأمريكي طيفا واسعا من القطاعات والمجالات، كان أبرزها القطاع الدفاعي، الذي حظي بنصيب الأسد، فضلا عن قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والفضاء، وغيرها.
اتفاقية الدفاع، التي تصل قيمتها إلى 142 مليار دولار، تشمل حصول السعودية على أحدث الأسلحة المتقدمة من الولايات المتحدة عبر أكثر من 12 شركة عسكرية أمريكية، مع التدريب والدعم المكثفين لتعزيز قدرات الجيش السعودي وأكاديميات الخدمة السعودية والخدمات الطبية العسكرية.
الاتفاقية، التي وصفها البيت الأبيض بأنها الأكبر في التاريخ، تشمل 5 فئات متمثلة في تطوير القوات الجوية والقدرات الفضائية، والدفاع الجوي والصاروخي، والأمن البحري والساحلي، وتحديث أمن الحدود والقوات البرية، وتطوير أنظمة المعلومات والاتصالات.
في قطاع التكنولوجيا، تعهدت شركات "جوجل" و"أوركل" و"سيلز فورس" و"داتا فولت" و"أوبر" باستثمار 80 مليار دولار في أحدث التقنيات في البلدين، حيث ستمضي "داتا فولت" قدما في استثمار 20 مليار دولار في مراكز الذكاء الاصطناعي في السعودية.
كذلك حظيت البنية التحتية بنصيب من الشراكة السعودية - الأمريكية، حيث قال البيت الأبيض إن شركات أمريكية بارزة من بينها "هيل الدولية" و"جاكوبس" و"بارسونز" و"أيكوم" تعمل على بناء مشاريع البنية التحتية الرئيسية، مثل مطار الملك سلمان الدولي وحديقة الملك سلمان ومدينة القدية بقيمة ملياري دولار من صادرات الخدمات الأمريكية.
في مجال الرعاية الصحية، ستضخ شركة "Shamekh IV Solutions" استثمارات بقيمة 5.8 مليار دولار، بما في ذلك مصنع في "ميشيجان" لإطلاق منشأة للسوائل.
في قطاع الطاقة، تشمل الشراكات صناديق استثمارية خاصة في قطاعات محددة، مع تركيز قوي على الانتشار في الولايات المتحدة.
يشمل ذلك صندوق الاستثمار في الطاقة "Energy Investment Fund" بقيمة 5 مليارات دولار، وصندوق "نيو إيرا لتكنولوجيا الفضاء والدفاع" بقيمة مماثلة، إضافة إلى صندوق "إنفيلد سبورتس" العالمي للرياضة بقيمة 4 مليارات دولار.
ومن بين الصادرات الرئيسية التي يشملها التعاون السعودي - الأمريكي توربينات الغاز وحلول الطاقة من شركة "جنرال إلكتريك فيرنوفا" بقيمة 14.2 مليار دولار.
في مجال الفضاء، وقعت وكالة الفضاء السعودية اتفاقية مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" لتحليق قمر اصطناعي على متن رحلة "أرتميس الثاني" التجريبية التابعة للوكالة الأمريكية.
في قطاع النقل الجوي، اتفق البلدان على تحديث اتفاقية النقل الجوي للسماح لشركات الطيران الأمريكية بنقل البضائع بين السعودية ودول ثالثة دون الحاجة إلى التوقف في الولايات المتحدة. وستتمتع شركات الطيران السعودية بالحقوق نفسها.
كما تشمل الصادرات الرئيسية طائرات "بوينج 737-8" للركاب لشركة "آفي ليس" بقيمة 4.8 مليار دولار.
تركيز على نقل التكنولوجيا إلى السعودية
وصف وزير المالية السعودي محمد الجدعان حجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بأنه مذهل ويظهر قوة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، قائلا "نشهد تدفقا للاستثمارات الأمريكية إلى السعودية منذ إطلاق رؤية 2030".
وتُركز السعودية على نقل التكنولوجيا وتبنيها من الولايات المتحدة، بالتوازي مع تطوير الخبرات المتقدمة وتوطينها في الاقتصاد السعودي ضمن مستهدفات رؤية 2030، بحسب الجدعان.
ودعا الوزير خلال المنتدى الشركات الأمريكية إلى "استكشاف الفرص المباشرة في السوق السعودية، والتواصل مع نظرائهم من المستثمرين السعوديين"، حيث توفر السعودية بيئة تنظيمية واستثمارية مرنة تدعم التحول التكنولوجي وتوسع دور القطاع الخاص، وفقا لما أكد عليه الجدعان.
وقعت الهيئة العامة للنقل في السعودية اتفاقية شراكة مع شركة "أوبر تكنولوجي"، بهدف إطلاق المركبات ذاتية القيادة خلال 2025، وذلك على هامش منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي.
يجري أيضا العمل على بناء مراكز بيانات بسعة تصل إلى 1.9 جيجاوات بحلول 2030، وفقا لما صرح به طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة "هيوماين" السعودية خلال أعمال المنتدى، مشيرا أيضا إلى تنفيذ مشروع بقدرة 500 ميجاوات بالتعاون مع شركة "إنفيديا".
أيضا، وقّعت "كوالكوم تكنولوجيز" الأمريكية مذكرة تفاهم مع شركة "هيوماين" السعودية لتطوير مراكز بيانات ذكاء اصطناعي متقدمة وبنية تحتية داخل السعودية وخارجها خلال المنتدى.
ولي العهد السعودي "رجل لا مثيل له"
في كلمة تجاوزت الساعة خلال المشاركة في أعمال منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي، وصف ترمب الأمير محمد بن سلمان بأنه "رجل عظيم لا مثيل له"، قائلا "إنه لشرف عظيم أن يتم الترحيب بي في السعودية بهذه الطريقة".
تعهد الرئيس الأمريكي بتعزيز الشراكة مع السعودية واتخاذ خطوات لتحقيق هذا الهدف، قائلا "زيارتنا للسعودية تاريخية وسنجعل علاقتنا أقوى. لن أنسى أبدا الضيافة الاستثنائية التي أكرمني بها الملك سلمان قبل 8 سنوات. علاقاتنا اليوم مع السعودية أقوى من أي وقت مضى وستظل هكذا في المستقبل".
وقال ترمب: "هناك تحول كبير ورائع في المنطقة بقيادة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان. أنتم من أكثر الأمم ازدهارا في العالم. الأمير محمد بن سلمان يعمل بجد ولا أعتقد أنه ينام الليل".
أضاف: "أهل هذه المنطقة هم من طوروها. ولادة الشرق الأوسط الحديث جاءت من أبناء المنطقة. هذه المنطقة ستتطور بفضل أبنائها". ووصف ما يحدث في المنطقة بأنه "معجزة حديثة على الطريقة العربية".
فرص يراقبها العالم في منطقة مستقرة
أكدت القمة الخليجية - الأمريكية المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض اليوم الأربعاء الشراكة بين الجانبين، التي وصفها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته بمناسبة انطلاق القمة بأنها "إستراتيجية".
وقال الرئيس ترمب "إن العالم يراقب الفرص في منطقة الخليج"، التي وصف دولها بأنها باتت في مقدمة الدول المستقرة في العالم، مؤكدا ضرورة الحفاظ على هذا الاستقرار.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والولايات المتحدة 120 مليار دولار، وفقا لما قاله ولي العهد السعودي.
الشرق الأوسط "يمكن أن يكون مزدهرا بالسلام"
في كلمته، تطرق ولي العهد السعودي إلى عدة ملفات، من بينها وحدة الأراضي السورية، ومساعي تحقيق الاستقرار في اليمن والسودان ولبنان، وسبل إيجاد حل للأزمة الأوكرانية.
وبينما قال ترمب إن الشرق الأوسط "يمكن أن يكون مزدهرا بالسلام"، فقد أكد الأمير محمد بن سلمان على ضرورة وقف التصعيد في المنطقة وإنهاء الحرب في قطاع غزة وإيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية، فضلا عن دعم الاستقرار في لبنان.
شدد ولي العهد أيضا على ضرورة وحدة أراضي سورية ووقف الحرب في السودان، وأشار إلى عمل السعودية على إيجاد حل سياسي شامل في اليمن.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان "إن المملكة ستكون سباقة في دعمها للاقتصاد السوري"، معبرا عن أمله أيضا في رفع العقوبات الأوروبية عن سورية.
من بين الملفات التي تطرق إليها الرئيس الأمريكي الملف النووي الإيراني، حيث أكد أن طهران لا يمكنها الحصول على سلاح نووي، ودعا جميع الدول للانضمام إلى بلاده في تطبيق العقوبات على طهران.