قوتنا الاقتصادية ومقومات الاستثمار في الداخل الأمريكي

كانت 12 عاما مضنية من المباحثات والمفاوضات، جرت منذ عام 1983 وحتى 1995 انضمت فيها السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، وذلك لإصرار بعض الدول على فرض رسوم على صادرات السعودية وخصوصاً على مادتي البولي بروبلين والبولي ايثيلين، وكان الرد السعودي واضحاً برفض هذا الشرط إلى أن انضمت السعودية دون أن تفرض عليها أي رسوم على صادراتها.

من هنا ننطلق بالنظر في قوة اقتصادنا في الصناعات البتروكيماوية، وماذا لو تم الاستثمار في الداخل الأمريكي عبر هذه الصناعات التي تتميز بها مملكتنا وما حباها الله من معادن أخرى تنافسية على مستوى العالم.

السوق الأمريكية الداخلية هي من أكبر الأسواق في العالم من ناحية الناتج المحلي الإسمي والإجمالي ومن ناحية إجمالي الثروة (الثروة الصافية)، فماذا لو تم تخفيض التعاون مع أوروبا كنقطة توزيع للعالم الغربي وإنشاء مصانع سعودية في الداخل الأمريكي تختص بالمعادن التي تتمتع بها السعودية وأصبحت أمريكا هي نقطة التوزيع، وماذا لو تم خلط التطور الأمريكي بالذكاء الاصطناعي بالمقوم الخام الوارد من السعودية من مجموعة المعادن.

من الممكن كذلك التفكير بسياسة الأرنب الاقتصادية، وهي تصنيع منتجات عدة وعدم الاقتصار على أصناف محدودة مع تقليل حجم الإنتاج وتخفيض التكاليف، لتلبية احتياج السوق الأمريكية الداخلية وتلبية احتياج دول التوزيع ولمعرفة الصناعة الأكثر طلباً وتوسيعها في المستقبل.

إن ما يحفز الاستثمار الصناعي في الداخل الأمريكي هو تذبذب القوة التجارية في المقاطعات والولايات الأمريكية، فأوسلي في كنتاكي على سبيل المثال كانت تعيش على مناجم الفحم التي تراجعت بشكل كبير ما يؤدي ذلك إلى انخفاض أسعار الأيدي العاملة وانخفاض تكاليف إنشاء المصانع، كما أن قوانين البيئة حالياً هي محط مراجعة وتصحيح من قبل إدارة الرئيس ترمب.

لقد زاد معدل البطالة في أمريكا إلى 4.2% في صيف عام 2024 من أدنى مستوى له منذ قرابة نصف قرن عند 3.4% في ربيع عام 2023، وتزامن ذلك مع إضافة الاقتصاد 167 ألف وظيفة شهرياً في المتوسط خلال الفترة نفسها، أي أقل بفارق بسيط عن متوسط العقد السابق على أزمة الوباء عند 183 ألف وظيفة شهرياً، وهو مؤشر رائع للنظر في الاستفادة من الاستثمار الصناعي في الداخل الأمريكي.

إن فكرة إنشاء مصانع صغيرة ومتعددة الاتجاهات لا تتوقف عند الاستثمار فحسب بل سنستفيد من تلك المصانع كذلك بما تصبوا له الرؤية 2030 من نقل المعرفة بحتمية الدخول بتفاصيل الصناعات التطويرية الصادرة عن تلك المصانع خلال سنوات تشغيلها وتطويرها، وصنع فرص وظيفية مرموقة للمهندسين والفنيين السعوديين، وتوسيع دائرة الابتعاث والتدريب.

وأما الفوائد التبعية لإنشاء تلك المصانع فكثيرة جداً وقد يكون من أهمها الاستفادة الوطنية من مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية (ندلب) حيث إن خطوط الإمداد اللوجستية فيه ستكون من أهم العوامل لإنجاح المقترح والنقل من وإلى تلك المصانع.

وسيتم كذلك النظر في الميزة التنافسية لتكاليف التصدير من تلك المصانع إلى الداخل السعودي في حال تطورت تلك المصانع وتوسع نطاق توزيعها وبيعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي