شراكة أم "تدفيع" للثمن؟ .. اتفاق المعادن بين أمريكا وأوكرانيا يمنح واشنطن مزايا تفضيلية
بعد أن ظل لفترة طويلة مثار شد وجذب بين واشنطن وكييف، وقع الجانبان أخيرا اتفاقا يمنح الولايات المتحدة مزايا تفضيلية لاستغلال المعادن النادرة التي تزخر بها أوكرانيا وتمويل الاستثمار في إعادة إعمار أوكرانيا.
في فبراير الماضي، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي البيت الأبيض، حيث كان من المفترض أن يوقع هذا الاتفاق بحسب المعلن قبيل الزيارة؛ لكن الرجل غادر خالي الوفاض بعد مشادة كلامية في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونائبه جيه دي فانس أمام عدسات كاميرات وسائل الإعلام.
لم يلتق الرئيسان بعدها، وتواصلت حالة التوتر التي أفرزها اجتماعهما في البيت الأبيض، إلى أن جمعهما لقاء مقتضب في روما قبيل جنازة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان الراحل.
وأمس الأربعاء، أعلن توقيع الاتفاق الاقتصادي الواسع بين واشنطن وكييف، الذي يقضي بإنشاء صندوق استثماري لإعمار أوكرانيا ويمنح إدارة ترمب إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية الأوكرانية.
بينما وصف الجانبان الاتفاق بأنه شراكة اقتصادية، فقد عدته روسيا "تدفيعا" لثمن مساعدة الولايات المتحدة لكييف في الحرب، حيث قدمت الولايات المتّحدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن مساعدات لأوكرانيا تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
صيغة مجحفة؟
في مارس الماضي، عرضت واشنطن صيغة جديدة للاتفاق الذي لم يتمم خلال زيارة زيلينسكي المتوترة للبيت الأبيض؛ لكن وسائل إعلام أوكرانية وصفت تلك الصيغة بأنها مجحفة. وقال مسؤولون أوكرانيون "إن النص جرى تعديله عبر التفاوض ليكون مقبولا من كييف".
قال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت في مقابلة نشرتها شبكة "فوكس بيزنس" اليوم الخميس إن الاتفاق الموقع أمس "شراكة اقتصادية شاملة ستسمح للرئيس دونالد ترمب بالتفاوض مع روسيا على أساس أقوى. سيظهر (الاتفاق) للقيادة الروسية أنه لا فرق بين الشعب الأوكراني والشعب الأمريكي، ولا فرق بين أهدافنا".
في المقابل وصفت أوكرانيا الاتفاق على لسان وزير خارجيتها أندريه سيبيها بأنه "علامة فارقة في الشراكة الإستراتيجية بين أوكرانيا والولايات المتحدة، التي تهدف إلى تعزيز اقتصاد أوكرانيا وأمنها".
وقالت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية يوليا سفيريدينكو إثر توقيعها الاتفاق في واشنطن: "بالتعاون مع الولايات المتّحدة، ننشئ هذا الصندوق الذي سيجذب استثمارات عالمية إلى بلدنا".
بينما أكدت سفيريدينكو أن الاتفاق سيتيح تمويل مشاريع لاستخراج معادن ونفط وغاز في أوكرانيا، فقد شددت على أنّ أوكرانيا ستحتفظ بالملكية والسيطرة الكاملة على هذه الموارد، وأن الدولة الأوكرانية هي التي "ستحدد ما الذي يستخرج وأين".
بيد أن المسؤول الأمني الروسي دميتري ميدفيديف قال "إن الاتفاق يعني أن الرئيس ترمب أجبر كييف أخيرا على دفع ثمن المساعدات الأمريكية"، وقال عبر تليجرام: "الآن يتحتم عليهم دفع ثمن الإمدادات العسكرية من الثروة الوطنية لبلد يتلاشى".
لم يسلم الاتفاق من الانتقادات داخل الولايات المتحدة أيضا، حيث ندد عضو الكونجرس الأمريكي الديمقراطي جريجوري ميكس به وعدّه "ابتزازا" من جانب ترمب.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان بعد إعلان توقيع الاتفاق: "اعترافا بالدعم المالي والمادّي الكبير الذي قدّمه شعب الولايات المتّحدة لأوكرانيا منذ التدخل الروسي الواسع النطاق، تضع هذه الشراكة الاقتصادية بلدينا في وضع يسمح لهما بالتعاون والاستثمار معا، لضمان أن أصولنا ومواهبنا وقدراتنا يمكن أن تعمل على تسريع إعادة بناء الاقتصاد في أوكرانيا".
لا ضمانات
يأتي الاتفاق بالتوازي مع مباحثات دبلوماسية لإيجاد حل للنزاع المتواصل بين موسكو وكييف منذ 3 سنوات.
بينما رحب رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميجال بالاتفاق، قبل توقيعه، ووصفه بأنه "اتفاق دولي جميل بين الحكومتين بشأن استثمارات مشتركة لتطوير أوكرانيا وإعادة بنائها"، فقد أكد أنه "لا ديون ولا مساعدة" تندرج في إطار هذا الاتفاق.
ويبدو أن الاتفاق، الذي لم يكشف الكثير عن تفاصيله حتى الآن، لا يتضمن ضمانات أمنية أمريكية في وجه روسيا، على الرغم من مطالبة أوكرانيا بها وإصرار زيلينسكي عليها في السابق.
وقال وزير الخزانة الأمريكي "إن هذا الاتفاق يظهر بوضوح لروسيا أن إدارة ترمب منخرطة في عملية سلام تستند إلى أوكرانيا حرة تنعم بالسيادة والازدهار على المدى الطويل".
ينشئ الاتفاق صندوقا للاستثمار في إعادة بناء أوكرانيا، يموله ويديره بالتساوي الأوكرانيون والأمريكيون.
ولا يعرف حجم الثروات المنجمية الموجودة في باطن الأرض الأوكرانية، إذ إن غالبية هذه الموارد لم يتم استغلالها بعد ويصعب استخراجها أو أنها تحت السيطرة الروسية، لأنها تقع في مناطق يحتلها الجيش الروسي.