كيف يقود القطاع العقاري في دول الخليج قاطرة التنويع الاقتصادي؟

يعيش قطاع العقارات في دول الخليج ذروته التاريخية، حيث وصل حجم السوق في مختلف الدول على رأسها السعودية والإمارات وقطر لمستويات قياسية غير مسبوقة مدعومة بشكل أساسي بخطط التنويع الاقتصادي الهادفة لتقليل الاعتماد على الطاقة ودعم القطاعات غير النفطية، ولكن العامل الأكثر جذبًا للانتباه ليس مستويات العرض التي تقودها الحكومات والقطاع الخاص ولكن حجم الطلب المرتفع بالأخص من الخارج.

فالمنطقة بفضل الإصلاحات الكبيرة أصبحت محط أنظار كبرى الشركات في العالم التي اتجهت لاتخاذها كقاعدة لإدارة استثماراتها، الأمر الذي دفع الطلب على المكاتب الإدارية للنمو بشكل ملحوظ، الطفرة السياحية أيضا التي تشهدها مختلف الدول رفعت الطلب على العقارات الفندقية وأدت لوصول معدلات الإشغال لمستويات متقدمة، كما شهد الطلب على العقارات السكنية نموًا محلوظًا نتيجة عدة عوامل منها تلبية طلب العاملين الوافدين من الخارج الناتجة عن النشاط الكبير الذي يعشيه قطاع الأعمال إضافة إلى اتجاه الأثرياء من مختلف أنحاء العالم للتوجه نحو دول المنطقة بحثًا عن ملاذات أمنة لإدارة ثرواتهم.

ووفقًا لبيانات شركة جيه إل إل (JLL) فإن حجم المشاريع التي لم يتم ترسيتها في منطقة الخليج تصل إلى 2.7 تريليون دولار، وتتصدر السعودية قائمة الدول وذلك بحجم مشاريع تصل إلى 1.5 تريليون دولار، بينما تأتي الإمارات في المرتبة الثانية بنحو 590 مليار دولار، على صعيد المشاريع التي تم ترسيتها بالفعل فقد وصلت في السعودية خلال 2023 إلى نحو 97 مليار دولار، بينما جاءت الإمارات في المرتبة الثانية بنحو 87 مليار دولار، وتم تنويع تلك المشاريع لتلبية الاحتياجات المختلفة مثل العقارات السكنية والفنادق والوحدات التجارية والمكاتب الإدارية.

النمو في مستويات العرض المحلي قابلها ارتفاع في معدلات الطلب على كافة العقارات، البداية من المساحات المكتبية التي تشهد زخمًا كبيرًا في دول الخليج بسبب الهجرة الكبيرة للشركات إلى دول المنطقة وبالأخص الإمارات والسعودية، حيث وصل معدل إشغال المكاتب الإدارية في أبوظبي بحلول يناير 2024 إلى 94 %، بينما وصلت في دبي خلال نفس الفترة إلى 91.3 %، بالانتقال إلى السعودية وبالأخص العاصمة الرياض وبفضل برنامج المقرات الإقليمية والتدفق الكبير للشركات العالمية للمدينة فقد ارتفع الطلب على العقارات الإدارية لمستويات غير مسبوقة،وفقًا لبيانات شركة CBRE وصلت نسبة الإشغال للمكاتب في الرياض من فئات (A,B) إلى أكثر من 99 % وذلك بنهاية الربع الرابع من 2023، بينما وصلت نسبة المساحات التي تم تأجيرها بالفعل في مركز الملك عبدالله المالي خلال نفس الفترة إلى 65 %.

بالانتقال إلى قطاع السياحة الذي يعيش أفضل فتراته، فبفضل الإصلاحات الكبيرة التي نفذتها الحكومات والبنية التحتية القوية تحولت المنطقة لواحدة من أهم مراكز الجذب السياحي في العالم، فوفقًا لبيانات منظمة السياحة الدولية فقد ارتفع عدد السائحين الوافدين لدول الخليج من 48 مليون سائح في 2022 ليصل إلى 62 مليون سائح في 2023، تدفقات السياحة القياسية دفعت معدل إشغالات الفنادق في دول الخليج للوصول إلى 65 % خلال 2023 وذلك مقارنة بنحو 60 % في 2022، وذلك مع توقعات بأن ترتفع النسبة بحلول 2028 لتصل إلى 69 %.

الزخم الكبير الذي تشهده مستويات الطلب والعرض العقاري في منطقة الخليج يدعمه أيضا عامل هام وهو تحول المنطقة لمركز هام لاستضافة الأحداث العالمية، فقد استضافت قطر بطولة كأس العالم لعام 2022 ومن ثم كأس أسيا في بداية 2024، بينما استضافت الإمارات معرض إكسبو 2020 ومؤتمر المناخ (COP28)، بينما تحولت السعودية إلى وجهة رئيسة لاستضافة أهم الفعاليات الثقافية والرياضية، وتستعد السعودية في الأعوام المقبلة لاستضافة أهم الفعاليات العالمية وفي مقدمتها معرض أكسبو 2030 ومن ثم كأس العالم 2034، تلك الأحداث قادرة على جذب ملايين الزوار إلى دول المنطقة بالتالي خلق طلب مرتفع على قطاع العقارات المحلي.

ختامًا فإن القطاع العقاري في دول الخليج يقف في منطقة متميزة لقيادة عملية التنويع الاقتصادي مستفيدًا بشكل أساسي من الإصلاحات الداخلية والطلب الخارجي القوي من الشركات والأفراد الباحثين عن ملاذات جديدة يلجأون إليها في ظل الاضطرابات العالمية القائمة وحالة الشك الاقتصادي التي أصابت كبرى الاقتصادات.


 

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي