النفط .. الأيام الصعبة

لا يشك أحد بأن أسواق النفط لا تمر بأحسن أحوالها وأنها تمر بتحديات كبيرة، لعل أقلها الضبابية التي خلفتها حرب الـ 12 يوماً التي عصفت بالمنطقة وأدى توقفها لمزيد من تدهور أسعار النفط، بسبب انتفاء عامل المخاطر الجيوسياسية.
ورغم أن الأسعار ما لبثت أن تعافت وعادت إلى مستويات 70 دولارا، فإن التصريحات المتضاربة المقبلة من البيت الأبيض بشأن الرسوم الجمركية، لا تزال تضغط على الاقتصاد العالمي وبدورها على أسعار النفط، الرسوم الجمركية التي أصبحت مصدر قلق حقيقي للفيدرالي الأمريكي الذي يتجنب إلى الآن خفض أسعار الفائدة ريثما تتضح الصورة الكاملة ويتبين إلى أين ستنتهي محادثات الرسوم الجمركية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي خوفاً من حرب تجارية تشنها الولايات المتحدة على شركائها التجاريين ومنافسيها الرئيسيين.
أسعار الفائدة التي تنتظر هبوطها أسواق النفط بلهفة، حيث مزيداً من السيولة النقدية تدخل الأسواق التي بدورها سترفع مستويات الأنشطة الاقتصادية، ولا سيما الصناعية وتقود إلى زيادة في استهلاك النفط ونمو في الطلب عليه.
كما أن أحجام الإدارة الأمريكية عن شراء النفط لملئ المخزونات الإستراتيجية منتظرة هبوط أكبر لأسعار النفط حتى تبدأ بملئها وهي التي تقف عند مستوى 402 مليون برميل، ما يعني أن 44% من السعة الإجمالية فارغ شكل عنصر ضغط إضافي على أسواق النفط.
يراهن الرئيس الأمريكي على انخفاض أكبر لأسعار النفط حتى يقتنص الفرصة لشراء النفط بسعر أقل وفي الوقت نفسه لا يقوم بإرسال رسالة إلى الأسواق تعكس رغبته في الشراء التي يخشى أنها سوف تترجم إلى أسعار أعلى.
وفي الخليج العربي الذي يشوب مياهه الحذر بعد حرب الـ 12 يوماً، لا يزال النفط الإيراني يتدفق إلى الموانئ الماليزية والآسيوية ومنها إلى الموانئ الصينية الشريك التجاري الأول لإيران ويضيف مزيداً من البراميل بعد أن ظن العالم أن هذه الكميات قد تواجه تشديداً للعقوبات المفروضة عليه وأن مضيق هرمز قد يزداد ضيقاً، بسبب التهديدات الإيرانية بغلقه.
بدورها الزيادات المقررة التي أقرتها مجموعة الثماني دول ضمن تحالف أوبك بلس ستدخل الأسواق شهرياً بزيادة قدرها 411 ألف برميل يومياً،
النفط الأمريكي أيضاً يشكل عامل ضغط آخر حيث الزيادة في الانتاج الأمريكي وقد حفزت الإدارة الأمريكية أخيرا الشركات النفطية العاملة في الولايات المتحدة لتكثيف الإنتاج ومواصلة الحفر وردد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب شعار "احفر حبيبي احفر ولا تتوقف" الشعار الذي ما فتئ الجمهوريون يرددونه كناية عن تشجيعهم لمزيد من الإنتاج وزيادة الانشطة، التي تؤدي إلى استقلالية الطاقة في أمريكا. تلك عوامل ضاغطة تضغط بقوة على أسواق النفط وتكبح جماح الأسعار فوق المستويات الحالية.
على الجانب الآخر لا يزال الطلب يشهد نموا ومن المتوقع زيادة استهلاك مشتقات الوقود خلال موسم الرحلات الطويلة في الولايات المتحدة وانتعاش قطاع السفر ما قد يرفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا خلال يوليو وأغسطس 2025، مدفوعًا بالزيادة الموسمية، وزيادة استهلاك الكهرباء في الصيف.
هذه العوامل ومحاولة التوازن بين المحركات الدافعة لأسعار النفط مقابل المحركات التي تبطئ من ارتفاع الأسعار ستقود بلا شك إلى موجات من التقلب والضبابية وعدم المقدرة على قراءة سلوك الأسواق، ما قد يعني أن اتخاذ بعض القرارات ليس بالأمر السهل وسط هكذا تحديات وسلوك، وهو ما يجعل التنبؤ بما قد يحصل في الأيام القليلة المقبلة كما في المستقبل المنظور أمر صعباً وسط أيام صعبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي