مزيج الطاقة وازدواجية المعايير

الاستدامة تعني الاستمرارية والثبات، وتعني تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المقبلة على تلبية حاجاتها الخاصة، حيث إن تطبيق هذا المبدأ المهم والاستراتيجي بفاعلية في أي قطاع أو جهة بلا شك دليل على بعد النظر، واستشراف المستقبل بموضوعية، وهذا يعني بالتأكيد تحمل المسؤولية تجاه الأجيال المقبلة. النمو السكاني والاقتصادي المتسارع يعني بالضرورة في اعتقادي نموا موازيا للطلب على الطاقة. الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض.

والجدير بالذكر أن النمو الاقتصادي لأي دولة يرتبط ارتباطا وثيقا بصناعاتها المختلفة، ولنمو القطاع الصناعي واستدامته يجب أن يرتكز هذا القطاع الحيوي والمهم على شرايين مستقرة ومستدامة للطاقة، حيث إن اختلال توازن منظومة الطاقة العالمية سيؤدي إلى تقويض هذا النمو. مزيج الطاقة ضرورة، بل أصبحت حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى للمحافظة على المصادر الناضبة منها، وللمحافظة على أمن الطاقة العالمي والمستقبل المحفوف بمخاطر شح الطاقة وانعكاساته غير المحمودة، بل الكارثية، لا قدر الله.

العلاقة بين مصادر الطاقة في رأيي يجب النظر إليها نظرة شمولية على أنها علاقة تكاملية لا علاقة تفاضلية وتنافسية بحتة، والمتابع لقطاع الطاقة وصناع القرار فيه يشاهد التوجه العالمي للوصول إلى صافي صفر انبعاثات في مدد زمنية مختلفة، ويختلف الإطار الزمني لوصول هذه الدول إلى أهدافها بين دول وأخرى وفق عوامل كثيرة منها، الاقتصادي والسياسي وغيرهما، وتتباين على أثرها الأدوات المتاحة لتنفيذ هذه الخطط. رحلة تحول الطاقة هي رحلة طويلة وشاقة، وطريقها طويل ليس محفوفا بالورود، ويجب أن يصل العالم بجميع أقطابه إلى أن مزيج الطاقة الأمثل يصب بلا شك في صلب أمن الطاقة العالمي، وهذا يعني أن الأجدى هو التكامل واستغلال الموارد والعقول لرفع كفاءة استخراج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، فالعالم متعطش للطاقة وسيبقى كذلك.

رحلة التحول لمصادر الطاقة النظيفة لا تعني تهميش الوقود الأحفوري مطلقا، وهي رحلة يجب أن تكون رحلة جماعية وقافلة يجب أن تتسم بأعلى معايير الانسجام والموضوعية والنظرة الاستشرافية الواقعية. العالم لا يمر بأحسن حالاته في الأعوام الأخيرة، فبعد جائحة كورونا التي نحرت الاقتصاد العالمي من الوريد إلى الوريد، وألقت بظلالها على جل القطاعات والأنشطة، وأثرت في الجميع، وخلال هذه الأزمة وجد العالم نفسه أمام أزمة أخرى وهي حرب روسيا وأوكرانيا.

بعد أزمة كورونا التي ما زال العالم يعاني تبعاتها وآثارها التي ستستمر -في رأيي- لمدة ليست بقصيرة حتى يعود الاقتصاد العالمي إلى ما قبل الجائحة ويلتقط أنفاسه، فبعد أزمة كورونا وبالتزامن مع أزمة روسيا وأوكرانيا اختلت منظومة الطاقة العالمية، ما دفع "أوبك" وحلفاءها لعمل كل ما يلزم لعودة استقرارها. بعض الجهات وبيوت الخبرة العالمية المختصة في مجال الطاقة ما زالت تعيش حالة من الوهم والتخبط والسعي الحثيث، لتهميش الوقود الأحفوري وتقويض الصناعات المرتبطة به، والاستثمار فيه، بل وضعت معايير هشة في اعتقادي.

أزمة روسيا وأوكرانيا ليست إلا دليلا جليا يعري ازدواجية المعايير، حيث رأينا تغير المواقف جذريا عندما بدأت ملامح شح الطاقة تلوح في الأفق لبعض دول أوروبا، حيث إن المعايير سقطت، والمثاليات لم يكن لها مكان في المعادلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي