تنمية المواهب وتمكينها.. إسهام في الابتكار والتنمية
نتمتع نحن البشر بصفات مشتركة تشمل تميزنا الذهني عن بقية مخلوقات الله تعالى، وتتضمن طبيعة بنيتنا الخارجية، وتكويننا الداخلي، وخصائصنا النفسية، وغير ذلك من صفات مشتركة عديدة. لكن هذه الصفات ليست متطابقة أو متماثلة بين الناس جميعا، بل إنها مختلفة. تختلف بنيتنا الخارجية في الأوزان والأحجام والقدرة الحركية. ويختلف تكويننا الداخلي بين مكامن قوة في بعض القدرات، ومواطن ضعف في بعض آخر. كما تختلف خصائصنا النفسية في التعامل مع شؤون الحياة، كما في الشغف أو الإهمال بهذا الموضوع أو ذاك. ويضاف إلى ذلك اختلافات أخرى في صفات متعددة، بينها صفات في الجانب الذهني، قد تحظى بالتميز، في مجالات مختلفة.
لا شك أن تميز أي فرد، في أي صفة من الصفات البشرية، موهبة من الله تعالى لهذا الفرد. ويرى خبير التعليم الراحل كينيث روبنسون Kenneth Robinson أن في كل إنسان صفة متميزة تمنحه إمكانات خاصة يطلب اكتشافها وتمكينها والاستفادة منها، ليس فقط من قبل صاحب الصفة، بل من المجتمع أيضا. وقد لا تكون صفة التميز ذهنية بالضرورة، فقد ترتبط ببنية الإنسان العضلية، حيث تعطيه تميزا حركيا، كما في الرياضيين المتميزين. وقد ترتبط بقدرة داخلية خاصة، تقدم فنونا مختلفة كالفن التشكيلي، أو ربما إمكانات نفسية مختلفة تمنح تميزا في العلاقات الاجتماعية، والقدرات الإدارية، وربما القيادية أيضا، وغير ذلك.
لعل التميز في الصفات الذهنية هو الأكثر شيوعا في تحديد من هو الموهوب، صاحب الذكاء والقدرات الذهنية العالية في المجتمعات الإنسانية. في هذا الموضوع يرى المتخصص سي جورج بووري C. George Boeree أن القدرات المتميزة هذه تتضمن: التميز في القدرة على اكتساب المعرفة، وتطبيقها لإيجاد حلول لمشكلات مطروحة، إضافة إلى التميز في التفكير المجرد الذي يتمتع بنظرة أوسع للأمور، وعمقا أكبر لمعاني الأفكار.
ويبرز، في مجال الصفات الذهنية أيضا، مقياس حصيلة الذكاء IQ، المعروف عالميا على نطاق واسع، كوسيلة لاختبار تميز القدرات العقلية للإنسان. ولهذا المقياس 4 محاور ذهنية هي: محور التعامل مع الكلمات وصياغة الأفكار، ومحور التعامل مع الأرقام والحسابات، ومحور التفكير المنطقي، إضافة إلى محور التصور الفراغي.
تلقى الإمكانات الذهنية في موضوعات "العلوم، والتقنية، والهندسة، والرياضيات: ستيم STEM" اهتماما خاصا يفوق الاهتمام بالإمكانات الذهنية في الموضوعات الأخرى، ولو أن هناك آراء أخرى في الموضوع، بينها إضافة الفنون إلى هذه الموضوعات. ولعل السبب في التركيز على موضوعات "ستيم" يعود إلى أهميتها الخاصة في التنمية الاقتصادية. فالعطاء الاقتصادي الذي تستهدفه جميع الأمم يحتاج إلى التقدم "العلمي" القادر على تمكين معطيات "تقنية" متجددة، ترتبط بالأساليب والتصميمات "الهندسية"، التي يجري التعبير عنها وعن المسائل العلمية المختلفة، "بالرياضيات"، لغة المعالجة المنطقية القادرة على استنباط نتائج مفيدة.
تركز المدارس في شتى أنحاء العالم على موضوعات "ستيم". وهناك في تقييم الجامعات، حول العالم، معيار يهتم بمدى ارتفاع نسبة طلاب وطالبات موضوعات "ستيم" مقارنة بطلاب وطالبات الموضوعات الأخرى. ومن المتوقع أن يكون خريجو "ستيم" في مأمن من تحديات التوظيف التي قد تسببها تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتمتع بتقدم غير مسبوق.
تشهد السعودية اهتماما مطردا بموضوعات "ستيم" وتطورها المستمر في كل من المدارس والجامعات. وفي هذا الإطار، تهتم مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، بشكل خاص، برعاية وتمكين أصحاب القدرات المتميزة في هذه الموضوعات، في مستويات التعليم العام. ولها في هذا المجال برامج تعليمية وبحثية، وبرامج لتعزيز المهارات، يكتسب الطلاب والطالبات المتميزون من خلالها إمكانات خاصة تفعل قدراتهم. وتهتم "موهبة" بدعم إبراز هذه القدرات على المستوى العالمي، عبر تمكين أصحابها من المشاركة في المسابقات الدولية والتنافس مع أقرانهم على مستوى العالم.
ولعل من أبرز المشاركات العالمية السنوية التي توفرها "موهبة" للطلاب والطالبات السعوديين المتميزين، المشاركة في منافسات "المعرض الدولي للعلوم والهندسة ISEF". وقد أثبت هؤلاء تميزهم على مستوى العالم في هذه المنافسات، على مدى سنوات، وبصورة خاصة، هذا العام، في شهر مايو الماضي، الذي أقيم خلاله المعرض. وسوف نعود، لتسليط مزيد من الضوء على هذا التميز، في المقال المقبل بإذن الله.
تعطي رعاية الموهوبين، عبر اكتشاف قدراتهم، وتنميتها بالبرامج الخاصة، وتمكينها بالجهد والعمل والمنافسة على المستوى الدولي، ما يمكن أن يسمى بمشاريع علماء من الذكور والإناث، يأخذون طريقهم إلى الإبداع والابتكار، وتقديم معطيات غير مسبوقة، تفعل الاستثمار، وتعزز التنمية، وتقود إلى استدامتها نحو مستقبل أكثر إشراقا.