لا تقع فريسة للانشغال بالاحتياطي الفيدرالي

هل ستخفض السعودية أسعار الفائدة قريبا؟ لا يتوقف المستثمرون من الدمام إلى دالاس عن تخمين ماذا سيفعل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ثم البنوك المركزية الأخرى بشأن سعر الفائدة. يحلل النقاد كل كلمة بحثا عن تلميحات أو إشارات؛ قلقين من أن ارتفاع سعر الفائدة لفترة أطول سيؤدي إلى انخفاض الأسهم السعودية؛ نظرا لربط الريال السعودي بالدولار. تجاهل كل ذلك. سواء رفع البنك المركزي أسعار الفائدة أو قام بتخفيضها أو لم يفعل أيا منها. فإن إجراءاته عادة لا تعني كثير، وتصريحاته أقل من ذلك أيضا. وهذا هو السبب.

ويعتقد كثير أن وجود عديد من حملة الدكتوراه في البنوك المركزية ووجود عمليات مؤسسية تجعل البنوك المركزية على علم بكل شيء. هذا غير صحيح! هناك عديد من الأشخاص الذين يخشون ارتفاع الأجور كسبب للتضخم. وهذا غير منطقي. لقد كشف ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل زيف هذا التفكير بشكل قاطع في ستينيات القرن العشرين. فالأجور تتبع التضخم دائما، ولا تقوده أبدا.

وقد أثبت تراجع التضخم العالمي في 2023 وسط استمرار نمو الأجور الكبير في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو هذا الأمر.. مرة أخرى. إذا كانت الأجور هي التي تؤدي إلى التضخم، فمن المؤكد أن نمو الأجور في السعودية من 2018 إلى 2023 بنسبة 45 % كان سيسبب تضخم أكبر من الارتفاع المتواضع في تلك الفترة بنسبة 9.5 %.

ولا تعد خطابات البنك المركزي توجيهية ولا تغييرات سياسته مهمة. لأن البنوك المركزية تتعامل مع أوضاع السوق والاقتصاد أكثر من أن تسببها. لماذا؟ التوقعات السائدة - مثل التضخم الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة طويلة الأجل - يتم تسعيرها مسبقا. إضافة إلى ذلك، فإن التدريب يساعد على التفكير الجماعي لصانعي السياسات.

خذ تحذير "التوجيه المستقبلي" على سبيل المثال، حيث تحذر بعض البنوك المركزية من تحركات السياسة القادمة. وهدفها هو: منع المفاجآت. بدلا من ذلك، فإنه عادة ما يزرع الارتباك عندما تختلف القرارات عنه، وهو ما يحدث في الأغلب. وبما أن ربط الريال السعودي بالدولار يدعم التحركات النقدية السعودية، فإن تقلب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يؤثر فيك بشكل مباشر.

ضع في اعتبارك: في مايو 2022، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أنه "لم يفكر حتى" في رفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس. وارتفع سعر الفائدة كثيرا في الشهر التالي وبعد ذلك ثلاثة أشهر من أصل أربعة. وأدى ذلك إلى زيادات موازية إلى حد كبير في أسعار إعادة الشراء السعودية.

وبعيدا عن الاحتياطي الفيدرالي، في أواخر 2021، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد: "من غير المرجح أن يتم تحقيق شروط رفع سعر الفائدة في العام المقبل". وبحلول يوليو 2022، كان قد ارتفعت أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وكانت الأولى من بين 10 زيادات أخرى. وكان كل من رئيس بنك إنجلترا السابق مارك كارني وخليفته أندرو بيلي يلقبان بـ "الأصدقاء غير الموثوق بهم" بعد تقلبات السياسة. إذا كان محافظو البنوك المركزية لا يعرفون خطوتهم التالية، فكيف يمكنك أن تعرف؟

لا يمكنك. ومع ذلك، يواصل كثيرون في التدقيق في صانعي السياسات بحثا عن تلميحات أو إشارات. لا تتعب نفسك. حتى لو استطعت، فذلك لن يساعدك.

قرارات البنوك المركزية لا تتحكم بالاقتصاد. وفي حين أن المبادئ التوجيهية للشريعة الإسلامية تجعل التفاصيل السعودية فريدة من نوعها، إلا أن البنوك عموما تقترض قروض قصيرة الأجل لتمويل القروض طويلة الأجل. من الناحية النظرية، يؤدي ارتفاع سعر الفائدة إلى زيادة تكاليف تمويل البنوك، وتقليل الإقراض والنمو. ولكن هل ينطبق هذا الأمر على الوضع الحالي؟ أدى فائض الودائع العالمية إلى إبقاء تكاليف تمويل البنوك منخفضة، ما أدى أيضا إلى انخفاض تأثير ارتفاع سعر الفائدة.

نعم، يبلغ نمو القروض الأمريكية 2.4 % على أساس سنوي، منخفضا 8.5 % من العام الماضي. لكنه يبقى إيجابيا. وقد تباطأ الإقراض العالمي أيضا، ولكنه لا يمثل مشكلة.

بغض النظر، يفترض النقاد أن الأسهم تحتاج إلى خفض أسعار الفائدة. هذا غير صحيح! إذ وصل المؤشر العام السعودي إلى أدنى مستوياته في 16 مارس 2023 - بينما كانت أموال الاحتياطي الفيدرالي وسعر إعادة الشراء السعودي لا يزالان يرتفعان. وحتى 13 مايو، ارتفع المؤشر بنسبة 22.9 % منذ ذلك الحين، دون توزيعات الأرباح. ارتفعت الأسهم الأمريكية بالدولار بنسبة 19.8 % عن مستويات ما قبل الارتفاع. وارتفعت الأسهم الأوروبية بنسبة 32.8 % عن مستويات ما قبل رفع البنك المركزي الأوروبي لليورو!

وعلى الصعيد العالمي، نمت الاقتصادات طوال فترة ارتفاع سعر الفائدة. ما هي الأدلة التي تشير إلى الحاجة إلى التخفيضات الآن؟ كانت أسعار الفائدة "المرتفعة" التي يتحسر عليها النقاد طبيعية قبل عام 2008. الأمر الذي يجعلك تتساءل عما إذا كانت أسعار الفائدة المنخفضة بعد عام 2008 كانت حقا "تحفيز" كبير.

لا تقلق فإن البنوك المركزية - سواء كانت "تفضل رفع سعر الفائدة عند التضخم" أو "تفضل خفض سعر الفائدة" أو غير مفهومة. حيث يكشف الانشغال بالاحتياطي الفيدرالي مدى التشاؤم، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسهم وبالتالي ارتفاع "جدار القلق" والذي يشتهر به السوق الصاعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي