زيادة وتوسيع قنوات الاستثمار المحلي

تسارعت وتيرة التحولات العملاقة في الاقتصاد الوطني، التي دفعت بناتجه المحلي الإجمالي الاسمي للنمو بنحو 66 % خلال الفترة 2016-2023 ليصل إلى أكثر من 4.1 تريليون ريال، اقترن بنمو قياسي للسيولة المحلية للفترة نفسها بأكثر من 49.2 % حتى ناهزت 2.7 تريليون ريال، وليس هذان المؤشران سوى عنوانين رئيسن لكثير من المؤشرات الأساسية الأخرى الإيجابية، التي تؤكد تنامي مختلف نشاطات وقطاعات الاقتصاد الوطني. أمام تلك الفورات الاقتصادية والمالية غير المسبوقة، تجد الثروات والأموال المحلية بعضا من التأخر في توليد الفرص الاستثمارية المجدية أمامها، التي وإن وجدت طوال الأعوام الماضية، إلا أنها لم تكن بالوتيرة المتسارعة نفسها التي شهدتها كثير من المجالات الاقتصادية والمالية، وكان الدافع الأكبر لها طوال تلك الفترة الجانب الحكومي وشبه الحكومي، وتأخر عن سرعة وتيرته القطاع الخاص، ما أوجد بدوره أشكالا عديدة من الفجوات، التي أدت إلى تشكل عديدا من أوجه المضاربات المحمومة في بعض نشاطات الاقتصاد، تسببت لاحقا بدرجة ملموسة في تغذية التضخم المحلي بشكل عام، وفي ارتفاع أسعار عديد من السلع والأصول بمعدلات قياسية، منها ما شهدته الأسواق المحلية من ارتفاع كعب المضاربات في عديد من أسواق السلع والمنتجات بشكل عام، وفي سوقي الأسهم والعقار على وجه الخصوص، كنتيجة لارتفاع مستويات السيولة المحلية قابلها محدودية توليد القنوات الاستثمارية، تحديدا التي كان منتظرا من القطاع الخاص إتاحتها بالدرجة الكافية، وهو ما يؤكد أهمية تسريع الجهود والمبادرات الكفيلة بتوفير مزيد من الفرص الاستثمارية المجدية للاقتصاد والمستثمرين على حد سواء. بداية من سوق الأسهم المحلية، التي لا يتجاوز عدد الشركات المدرجة فيها 232 شركة مساهمة، في الوقت ذاته الذي تظهر إحصاءات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حتى نهاية 2023، أن القطاع الخاص يستوعب نحو 6.2 ألف شركة مساهمة، وأكثر من 109.3 ألف شركة محدودة، ونحو 64 ألف شركة تضامن، هذا عدا أكثر من 1.1 مليون شركة فردية، والمقصود من الحديث هنا لا يعني إدراج جميع تلك الشركات والمؤسسات، بل يذهب إلى أهمية إيجاد مبادرات أسرع لإدراج الشركات العائلية والكبرى منها وفق منهجية تحافظ على استقرار السوق المالية من جانب، ومن جانب آخر تحفز تلك الشركات لفتح المشاركة في ملكيتها مقابل تمتعها بمزيد من مزايا الإدراج في السوق، تماثل في أغلبها المزايا الممنوحة للشركات الأجنبية، وهي المبادرة الاستثمارية التي من شأنها توليد مزيد من قنوات الاستثمار المجدية أمام رؤوس الأموال الباحثة عن مجالات استثمارية مجدية، وفي الوقت ذاته تجنب الاقتصاد الوطني توجه تلك الأموال الكبيرة نحو المضاربات في أي من الأسواق المحلية، إضافة إلى توفير السيولة اللازمة والكافية لأي من تلك الشركات بعد الإدراج في السوق المالية المحلية، التي ستساعدها على التوسع والنمو والاستحواذ على حصص جديدة من أسواقها العاملة فيها. وقس على ذلك كثيرا من الأمثلة في السوق العقارية المحلية، سواء على مستوى إيجاد مزيد من الشركات أو المنتجات كالصناديق الاستثمارية المتخصصة في القطاع العقاري، التي سيسهم وجودها ونموها في زيادة القدرة التمويلية والطاقة التشغيلية في جانب العرض، حيث لا يتجاوز حجم الصناديق العقارية الخاصة سقف 143.8 مليار ريال، وبأعداد لا تتجاوز 365 صندوقا عقاريا خاصا، في الوقت ذاته الذي تتجاوز القيمة الحالية للفرص العقارية المحلية أعلى من 1.4 تريليون ريال وفقا لأرقام البورصة العقارية، وهي التطورات الإيجابية المنشود تحققها على أرض الواقع، التي سيكون من أول نتائجها المحمودة تحول الثروات والأموال من المضاربات والاكتناز، إلى الاستثمار وتوفير التمويل اللازم للتطوير والتشييد والبناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي