الفائدة بين الماضي والحاضر
قرأت كتابا عنوانه The Price of Time وعنوان تفصيلي The Real Story of Interest -سعر الوقت- القصة الحقيقية للفائدة، للكاتب إدوارد جانسلر. يتتبع الكاتب تاريخ الفائدة منذ الحضارات الأولى مثل الكلدانيين والصينيين وغيرهم مرورا بتعامل كافة الأطراف مع الفائدة إلى أن نصل إلى دورها في الأزمات المالية والاقتصادية الأخيرة. للفائدة عدة أوجه كالعائد على رأس المال وقيمة للوقت وكمنظم للعلاقات الاقتصادية بين جميع الفئات، وأخيرا كآلية في أيدي المصارف المركزية لإدارة الاقتصاد.
الكتاب مليء بالتجارب ونجح في تفسير مبسط وعميق للعلاقة بين المال والاقتصاد الحقيقي خاصة بعد ظاهرة تنامي دور "الماليات" على حساب التركيز على الاقتصاد الحقيقي، خاصة بعد نهاية نظام برتون وود في 1971 على أثر إنهاء العلاقة بين الدولار والذهب. نجح المؤلف في تفسير الهزات المالية والاقتصادية الكبرى مثل الكساد الكبير والأزمة المالية العالمية في 2008 مرورا بما تعانيه الصين حاليا في العقار، والإدمان على محاولة إنعاش الاقتصاد بمزيد من التسهيل الكمي من خلال منظار التركيز على السياسة النقدية وبالذات نسب الفائدة، خاصة حين لجأ الكثير إلى الفائدة الصفرية.
يرى أن إصرار البنوك المركزية على نسب فائدة منخفضة مقارنة بنسب الفائدة الطبيعية التي عادة إيجابية (أعلى من نسبة التضخم) يقود إلى نمو أسعار الأصول وسوء إدارة في الاستثمارات العامة والخاصة. أحد أوجه العلاقة عنصريا يأتي من خلال العلاقة بين النمو الاقتصادي ونسبة الفائدة، والعائد على الاستثمار كاحد أوجه الفائدة والنمو. أنماط علاقات أحيانا تكون صحية وأحيانا تجر إلى سياسات اقتصادية تعمق عدم المساواة في الاقتصاد، فكلما تكون الفائدة أقل من النمو الاقتصادي تصب المصلحة في المجتمع للمقترضين والصناعة المالية وليس للموفرين والمتقاعدين وأصحاب الأجور الوسطى والمنخفضة. فهناك عدم مساواة حميد وغير حميد، الحميد هو ما ينتج بسبب اختلاف الجهد والكفاءة والحظ، وغير الحميد ينتج بسبب سياسة نسب فائدة منخفضة تخدم ملاك الأصول. سياسات جرت إلى سياسات شعبوية وحمائية أسهمت في ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع المديونية في جميع الدول تقريبا، ما يعانيه كثير من الدول النامية مثل مصر والأرجنتين وغيرهما له علاقة وثيقة بسياسة الفائدة المنخفضة.
يعتمد كثيرا على تنظير فشر وهايك في شرح الظاهرة النقدية، الأول خاص بالسياسات الكلية من جانبها النقدي، والثاني بدور حرية القطاع الخاص وزحف السياسات الاشتراكية ودور "الموظفين" في البنوك المركزية والوزارات ذات العلاقة، فيما يرى أنه وهم القدرة على إدارة الاقتصاد بكفاءة. أجاد الكتاب في البحث والتقصي ليستشهد بتجارب واقتباسات وملاحظات كثير من المفكرين بداية باليونانيين الأوائل وحتى لوك وآدم سمث وكينز وآخرين. في الأخير يرى من تجارب هؤلاء أن الخطر في نحو 2-3 % كنسبة للفائدة، لكن في الأخير الظروف الموضوعية ونقطة البداية ومدى النظرة البعيدة تحكم أكثر من أن هناك نسبة فائدة مثالية. يستشهد في الأخير بتجربة آيسلندا في تخطي تبعات الأزمه العالمية من خلال نهج مختلف نوعي ناجح، حيث أخذت بسياسة نقدية ومالية مختلفة عن دول الغرب الأخرى.