النمو «الناعم» ومتطلباته

 

"حراك النمو سيظل بطيئا لأعوام مقبلة"

كريستالينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولي

بصرف النظر عن الشكل الراهن للاقتصاد العالمي، إلا أنه تمكن من الصمود في الفترة الصعبة السابقة، وهو يواصل صموده، بعيدا عن شبح الركود، الذي يخيف المشرعين الاقتصاديين حول العالم. صحيح أن الآمال بعودته إلى ما كان عليه في الأعوام الأخيرة من العقد الماضي، لم تعد موجودة ولو بزخم بسيط، إلا أن الصحيح أيضا، أن الاقتصادات المتقدمة والناشئة تمكنت من اجتياز المرحلة الحرجة، بخسائر قادرة على تعويضها، لكن بمعدل سريع. فالضغوط التضخمية لا تزال حاضرة على الساحة، وسياسات التشديد النقدي تبقى مسيطرة على المشهد المالي، والإنفاق الاستهلاكي يظل عند حدودها المنخفضة، رغم تحركه في بعض الاقتصادات بصورة جيدة، ولا سيما في الولايات المتحدة، علاوة على اضطرابات سوق العمل هنا وهناك.

كل هذا له ارتباطه المباشر والمؤثر مع مستويات الفائدة المرتفعة، على الرغم من أن معظم البنوك المركزية الرئيسة التزمت منذ عدة أشهر بتجميد تكاليف الاقتراض عند المستويات المرتفعة أصلا. وإذا لم تعد مخططات التيسير الكمي إلى الميدان الاقتصادي والمالي، فإن النمو لن يصل إلى المستوى الذي كان عليه قبل عام 2020. سيكون النمو "ناعما" هذا العام، على الرغم من بعض المحاذير الموجودة على الساحة. صندوق النقد الدولي يتوقع أن يصل إلى 3.1%، ولو تحقق ذلك بالفعل فسيكون أقل من المتوسط العالمي في العقد الماضي عند 3.8%. لكن حتى هذا الفارق ليس كبيرا، الأمر الذي يجعل أي تقدم في هذا المجال، بمنزلة نقلة نوعية في المرحلة الصعبة.

والمشكلة التي تهدد النمو أيضا آتية من الصين التي ستشهد في الأشهر المقبلة تباطؤا، وإن كانت ستحقق نموا قد يصل إلى 5%. إلا أنه حتى هذا المستوى المرتفع لا يزال أقل مما كان عليه سابقا، على اعتبار أن الاقتصاد الصيني ظل لأعوام عديدة محركا للنمو العالمي ككل. فثاني أكبر اقتصاد في العالم يمر بأوقات صعبة الآن توازي تلك التي مرت خلال أزمة جائحة كورونا. وتعمل بكين بكل ما أمكن لإعادة تصويب المشهد الاقتصادي بأسرع وقت ممكن. لكن لا بد من الإشارة إلى أن صمود اقتصادات كبيرة بعينها، يوفر لها مزيدا من الأدوات لمواجهة "العواصف" الاقتصادية التي قد تظهر في زحمة عدم اليقين العالمي ككل. وعلى رأس هذه الاقتصادات الصين نفسها والبرازيل والهند وروسيا، إلى جانب تماسك الاقتصاد الأمريكي بصورة أذهلت حتى المتشائمين التقليديين.

لو صدقت توقعات صندوق النقد الخاصة بالنمو 3.1% هذا العام، فإن ذلك سيوفر أساسا لمضي الاقتصاد العالمي نحو تعاف أكثر عمقا، ولا سيما إذا ما تراجعت الضغوط الآتية من الموجة التضخمية الراهنة التي لا تزال تضرب هنا وهناك، وتنشر الخوف لدى الحكومات الساعية لإعادة التوازن الاقتصادي إلى أقرب وضعية لتلك التي كان عليها في العقد الماضي. وإذا ما تحلت البنوك المركزية الرئيسة بالجرأة في المراجعات المقبلة لهذا العام لأسعار الفائدة، فإن ذلك سيعد أهم آلية لدعم النمو، علما بأن أغلبية هذه البنوك لم تعد تتحدث عن إمكانية رفع تكاليف الاقتراض في المستقبل القريب، لكنها في الوقت نفسه ما زالت تضع مصير التضخم قبل مصير النمو. وهذا ما يبرر التأني الكبير في تحريك الفائدة نحو الأسفل، حتى ولو بصورة بسيطة. النمو العالمي المأمول، سيكون أقوى في النصف الثاني من العقد الحالي، إذا ما جرت الأمور في الأشهر المقبلة بشكل جيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي