Author

تعثر الشركات وتكلفة الإعسارات

|

شهد العالم موجة إفلاس للشركات خلال الفترة الماضية، ومازال الوضع مستمرا بوتيرة متتالية وخطيرة، حيث إن حالات الإعسار سجلت مستويات قياسية في الدول ذات الاقتصادات العملاقة، وذلك بسبب التطورات الاقتصادية المتلاحقة، ولا سيما الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة، إذ ارتفعت حالات تعثر الشركات العالمية عن سداد ديونها منذ بداية العام الجاري، لتتجاوز ضعف المسجل في إجمالي 2022. وتثير مخاوف استمرار معدلات الفائدة المرتفعة وتشدد الظروف المالية والتباطؤ الاقتصادي، القلق حيال تصاعد أزمة تعثر الشركات العالمية في العام المقبل.
ومن هنا، فإن الضغوط على الشركات في الاقتصادات المتقدمة لم تهدأ، رغم بعض التحسن في الأداء الاقتصادي خلال العام الجاري عموما.
ويبدو واضحا أن ارتفاع وتيرة إعلان الشركات إفلاسها في الأشهر الماضية، سيستمر في العام المقبل على أقل تقدير، خصوصا في ظل التأثيرات السلبية المباشرة الآتية من جهة زيادة تكاليف الاقتراض أو (الائتمان). وحتى في ظل بدء البنوك المركزية الرئيسة اتباع سياسة تجميد رفع معدلات الفائدة، بقي التهديد بانضمام شركات من هنا وهنا إلى قوائم الإفلاس، علما بأنه لا توجد التزامات واضحة أو قوية بعدم العودة لرفع تكاليف الاقتراض في المستقبل، إذا ما دعت الحاجة لذلك. فالهدف الأول يبقى منحصرا في السيطرة على التضخم، الذي شهد في الآونة الأخيرة تراجعا ملموسا في أغلبية الاقتصادات المتقدمة، مع تفاوت في المستويات بين اقتصاد وآخر.
المخاوف حاليا بدأت تظهر في الأوساط الاقتصادية، حول ما إذا كان الارتفاع المطرد للشركات التي تعلن إفلاسها، سيقود في النهاية إلى ما سمي بـ"موجة تسونامي"، سترفع بقوة من الضغوطات على الاقتصادات المعنية، في الوقت الذي "تكافح" فيه من أجل تحقيق التعافي في أقرب وقت ممكن.
علما بأن شبح الركود لم يغب عن الاقتصادات المتقدمة، ولا حتى إمكانية أن تشهد هبوطا ناعما، سيكون بمنزلة "انتصار" لها مقارنة بالركود المخيف إذا ما تم بالفعل. فكما هو واضح، سيبقى النمو بحدود متواضعة للغاية في العام المقبل، في حين أن اقتصادات بعينها (من بينها اقتصاد بريطانيا) قد تشهد انكماشا في العام الجديد على الأقل في النصف الأول منه.
من هنا، تأتي المخاوف من ارتفاع عدد الشركات التي تعلن إفلاسها، وخروجها من السوق، في مقدمتها ما بات يعرف منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، بـ"شركات الزومبي" التي تعجز عن تغطية نفقاتها التشغيلية من خلال عوائدها المالية. وهذا النوع من الشركات يرفع حجم القلق في الأوساط الحكومية على نطاق أوسع. إلى جانب الشركات الأكثر ثباتا في السوق، التي تواجه أزمات في التسديد، خصوصا بعد أن أوقفت الحكومات برامج الدعم المباشرة التي أطلقتها لمواجهة التبعات الاقتصادية لجائحة "كورونا". فالشركات المتعثرة، صارت عاجزة بالفعل عن تسديد أجور موظفيها، ما أجبرها على اللجوء للحل النهائي وهو إعلان الإفلاس، والحماية من الدائنين.
الخوف أن يرتفع أيضا مع تسجيل الشركات المفلسة معدلات من رقمين، وإذا ما استمرت الضغوط الراهنة، ربما انتقل العدد إلى ثلاثة أرقام، ولا سيما في ظل استمرار الضغط الآتي من جهة الفائدة المرتفعة فترة أطول. ففي غضون عام واحد، ارتفع (على سبيل المثال) عدد الشركات الأمريكية التي أعلنت إفلاسها بنسبة 30 في المائة، وبلغ في ألمانيا الاقتصاد الأكبر في أوروبا 25 في المائة، وفي الاتحاد الأوروبي زادت النسبة أكثر من 13 في المائة. كل هذا يحصل بعد أعوام عديدة من الازدهار على صعيد حراك الشركات في الاقتصادات المشار إليها، في حين أن الحكومات تواجه مصاعب جمة ليس فقط على صعيد احتواء الآثار الخطيرة من حالات الإفلاس هذه، بل أيضا من حجم الديون الحكومية المرتفعة أصلا، بحيث تعد في بعض البلدان حجم ناتجها المحلي الإجمالي.
لا يبدو أن هناك انفراجا في هذه الساحة في الفترة المقبلة. فضغوط الفائدة وارتفاع تكاليف الاقتراض ستبقى، وتكاليف خدمة الديون تزداد، إلى جانب الارتفاع (الذي لم يكن في الحسبان قبل الحرب في أوكرانيا وتفاقم المواجهات الجيوسياسية) في أسعار الطاقة ستستمر خلال العام المقبل على الأقل، الأمر الذي سيزيد من وتيرة إعلان الشركات إفلاسها.

إنشرها