«حاول تفتكرني»

يمكن أن تأخذك العاطفة أو الحنين للذهاب إلى مطعم عريق في شارع التلفزيون أو "العصارات" في الرياض، أو في شارع الملك سعود في الطائف، أو للذهاب لأي مكان "كان لينا ذكرى فيه"، كما يقول الشاعر محمد حمزة في كلمات أغنية "حاول تفتكرني" التي غناها عبدالحليم حافظ، ربما تنفق بعض المال، وتستكشف ما آلت إليه الحال، ستسعد إن رأيت المكان مزدهرا ومواكبا للتغيرات، وستحزن إذا كان الوضع سيئا أو قريبا من الاندثار.
جال في خاطري هذا العنوان وأنا أقرأ لأحد المواطنين الكرام دعوته إلى ما سماه "إنقاذ شركة سعودية عريقة في مجال الغذاء"، عبر الذهاب إلى فروعها لدعمهم، وفي التعليقات تطرق البعض لشركة أخرى في مجال الأسواق تعاني الأمر نفسه، وكانت الإجابات والتفاعلات مع فكرة الدعم متباينة وأظهرت نقاشا صحيا مثيرا لمزيد من الأسئلة، والأهم لمزيد من الأسماء السعودية العريقة التي انطفأ بريقها، وتصارع للبقاء في السوق.
ببساطة، لن ينجح "الدعم العاطفي" لأنه لن يغير من واقع الأمر، إنه يشبه عاشقا يمر بالأطلال، يتنهد ويعود بمزيد من الحسرة، وربما بقصيدة مهما خلدها التاريخ الأدبي فستظل تعبيرا عن مشكلته، وليس حلا لها. ما ينفع حقيقة هو الشجاعة في اتخاذ القرار، شجاعة حدثت كثيرا في السوق إما بالبيع، أو إدخال شركاء محترفين، والتخلي عن الإدارة لهم.
أكثر ما يؤلم في بعض قصص التدهور والتلاشي التدريجي لأسماء تجارية كانت ملء السمع والبصر هو عندما تكون شركة مساهمة عامة، أو مملوكة لشركة مساهمة عامة، لأن الخسارة هنا تعم آلاف الناس وليس ملاكها فقط، الناس الذين وثقوا بتاريخها، أو أسماء مؤسسيها وملاكها، أو حتى كانوا متحمسين لها لأنها شركات سعودية بحتة نجحت ـ في فترة ما ـ في قطاعات كان النجاح فيها للأسماء الأجنبية الشهيرة.
الأسبوع الماضي أعلن في اليابان عن شطب سهم "توشيبا" من بورصة طوكيو، ليسدل الستار على تاريخ مطورة الإلكترونيات والآلات كشركة عامة البالغ 74 عاما، بعد صفقة استحواذ قادها صندوق استثمار خاص لتتحول إلى شركة خاصة، وتركز على تغيير أعمالها، وتبحث عن مستقبل جديد بإدارة جديدة وأفكار ربما تكون ناجحة. إنه قرار مؤلم لكنه شجاع وواقعي، ويقلص خسائر المساهمين.
بعض ملاك ومجالس إدارات الشركات يظلون يرقبون التدهور أو الاندثار حتى الخروج الكامل من السوق، ليس فقط سوق الأسهم، بل حتى السوق التي يعملون فيها أيا كانت، وفي هذا بخس لاستثمارات الناس، وأنانية مفرطة، وخروج بسيرة ليست عطرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي