Author

السيطرة على تضخم أسعار السكن

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

استعاد مؤشر تكلفة إيجار السكن في المملكة بنهاية نوفمبر الماضي وتيرة نموه بمعدل 9.4 في المائة، بعد أن كان قد تباطأ خلال أكتوبر إلى 9.3 في المائة، ووصل إجمالي نسبة ارتفاعه منذ بدأ في التصاعد قبل 21 شهرا مضت إلى 16.9 في المائة، ولأنه يشكل الوزن النسبي الأكبر في سلة احتساب التضخم، فقد احتل المرتبة الأكثر تأثيرا في تغذية التضخم طوال تلك الفترة، ولا زال تأثيره مستمرا حتى تاريخه، كان آخرها لعبه الدور الرئيس في عودة الارتفاع لمعدل التضخم أخيرا إلى 1.7 في المائة، بعد أن سجل تباطؤا طوال الأشهر الخمسة الماضية التي سبقت نوفمبر الماضي، تزامنت مع تباطؤ مماثل لمؤشر تكلفة إيجار السكن.
بدأت أولى موجات صعود تكلفة إيجار السكن في مدينة الرياض في أكتوبر 2021، ثم انضمت إليها مدينة جدة في يوليو 2022، واتسعت الدائرة خلال العام الجاري لتشمل ثلاثة مدن في المملكة، بدأت في مدينة أبها في مارس 2023، ثم مدينة بريدة في مايو 2023، وأخيرا مدينة الدمام في يوليو 2023. طوال تلك الفترة بلغت ذروة نسب الارتفاع في تكلفة إيجار السكن في تلك المدن، على النحو التالي: أولا، بلغت في مدينة الرياض نحو 30.7 في المائة، وعلى مستوى نوع السكن المؤجر، جاء إيجار أدوار الفلل الأعلى ارتفاعا بنسبة 51.4 في المائة. ثانيا، بلغت في مدينة جدة نحو 34.3 في المائة، وعلى مستوى نوع السكن المؤجر، جاء إيجار الشقق الأعلى ارتفاعا بنسبة 164.6 في المائة. ثالثا، بلغت في مدينة أبها نحو 16.9 في المائة، وعلى مستوى نوع السكن المؤجر، جاء إيجار البيوت الشعبية الأعلى ارتفاعا بنسبة 50.9 في المائة. رابعا، بلغت في مدينة بريدة نحو 19.5 في المائة، وعلى مستوى نوع السكن المؤجر، جاء إيجار الشقق الأعلى ارتفاعا بنسبة 38.1 في المائة. خامسا، بلغت في مدينة الدمام نحو 11.2 في المائة، وعلى مستوى نوع السكن المؤجر، جاء إيجار أدوار الفلل الأعلى ارتفاعا بنسبة 18.1 في المائة.
بدأ الحديث مبكرا عن أهمية إقرار تنظيم لسوق الإيجارات في الاقتصاد المحلي، يتولى تعزيز الاستقرار في أسعار وتكاليف الإيجارات على اختلاف أنواعها، ويسهم في توطيد استقرارها في القطاع العقاري عموما، والقطاع السكني خصوصا، وبما يحافظ على جاذبية السوق في الوقت ذاته، الذي سيؤدي وجوده إلى حماية الاقتصاد الوطني عموما، والمجتمع والقطاع الخاص على وجه الخصوص، من الارتفاعات الحادة التي قد تطرأ في سوق الإيجارات لأي أسباب عرضية أو مفاجئة، ولا يزال الحديث عن هذا التنظيم البالغ الأهمية والمنشود قائما، قياسا على الارتفاعات التي لا يزال يسجلها على المستويات كافة، وفي ظل دائرته الآخذة في الاتساع فترة بعد فترة، لتشمل مدنا ومحافظات أخرى في المملكة.
وكما سبق تأكيده في مقالات سابقة، فإن سوق الإيجارات تشكل إحدى أكبر الأسواق في الاقتصاد المحلي، التي تمتد آثار أي تغيرات فيها إلى جميع نشاطات الاقتصاد الوطني الأخرى دون أي استثناء، وتمتد أيضا إلى التأثير في جميع أفراد المجتمع استهلاكيا، وكما هو معلوم فإن النشاطات الاقتصادية المختلفة في مجملها، إضافة إلى الطلب الاستهلاكي ممثلا في المجتمع بشرائحه كافة، يشكلان وزنا كبيرا في هيكل الاقتصاد الوطني، ما يقتضي بدوره أهمية المحافظة على النمو المستدام لكل منهما، والعمل المستمر على استقرارهما ومتانة كل واحد من الجانبين (الإنتاجي، الاستهلاكي)، بدءا من حماية استقرار القطاع الإنتاجي في الاقتصاد الكلي، الذي يتشكل من منشآت القطاع الخاص، ذلك القطاع الذي يستهدف زيادة نموه بصورة مستدامة، ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى من 60 في المائة، وبما يحفزه على نطاق أوسع ويمكنه من إيجاد مزيد من فرص الاستثمار والعمل على حد سواء، التي تضاعف بدورها من تنافسية الاقتصاد الوطني والقطاع تحديدا، وترفع من قدرته ومساهمته في خفض معدل البطالة بين الموارد البشرية المواطنة.
يقتضي تحقق تلك التطلعات، ومن ثم جني مكاسب تحققها بمشيئة الله تعالى، أن يتم توفير أكبر قدر ممكن من الممكنات وأدوات حماية القطاع الإنتاجي (القطاع الخاص) من أي مخاطر محتملة، ومنها بكل تأكيد كما هو قائم خلال الفترة الراهنة، ما يمثله الارتفاع القياسي لتكلفة إيجار مواقعه على اختلاف أنواعها ومواقعها، ولما تمثله من وزن نسبي كبير في بنود تكاليفه الإنتاجية والتشغيلية، التي لا شك أن آثارها العكسية قد زادت خلال العامين الماضين بالتزامن ارتفاع إيجار المواقع، إضافة إلى الارتفاع المطرد لمعدل الفائدة (تكلفة التمويل)، وما أدت إليه تلك العوامل في مجملها من كبح للقدرة الشرائية والتمويلية للطلب على سلع ومنتجات وخدمات القطاع الخاص، وهو ما أثبتته مؤشرات الأسعار (التضخم) الأخرى باستثناء تكلفة الإيجارات الفعلية.
أما على مستوى المعيشة بالنسبة إلى المجتمع الاستهلاكي المحلي، الذي يمثل نقطة انطلاق التطلع لإقرار تنظيم سوق الإيجارات، الذي لا تقل التحديات التي أصبح يواجهها عن مثيلتها لدى القطاع الإنتاجي، وبما يشكله المجتمع من وزن كبير في قوة الطلب الاستهلاكي محليا، ولكونه المصدر الأكبر لتدفقات القطاع الإنتاجي (القطاع الخاص)، بما يؤكد ترابط مكونات الاقتصاد الوطني وقوة تأثيراته المتبادلة، والتأكيد على أن المزايا المأمولة من إقرار تنظيم سوق الإيجارات، تتجاوز بدرجة كبيرة جدا أي آثار عكسية محتملة لإقراره، وأنه سيؤدي في الأجلين المتوسط والطويل إلى زيادة الطلب المحلي، وتوفير الدعم اللازم للنمو الاقتصادي المستدام، وبما سيؤدي في مجمله إلى الدفع نحو تحقق مختلف مستهدفات برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030، على رأسها زيادة تنويع القاعدة الاقتصادية، وإيجاد مزيد من فرص الاستثمار التنافسية محليا، ومزيد من فرص العمل أمام الموارد البشرية المواطنة، بما يسهم بوتيرة أسرع وأوسع في خفض معدل البطالة، وتحسن مستوى دخل الأفراد.

إنشرها