Author

ميزانية 2024 .. تعزيز النمو

|

تم إعلان البيان التمهيدي الخاص بالميزانية العامة للدولة لعام 2024 من قبل وزارة المالية قبل يومين، ولم تحتو هذه النسخة لعام 2024 على أي تغييرات مفاجئة، بل عززت تفاصيلها من خطط المملكة الطموحة نحو مستهدفات الرؤية. شهد العام 2023 استمرار أعمال الإصلاحات الهيكلية وتنفيذ الاستراتيجيات، وتميز بنمو الناتج المحلي غير النفطي بمعدل 5.9 في المائة، ويتوقع أن ينتهي العام بثبات هذا الأداء، انتقالا إلى نمو متوقع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4 في المائة لعام 2024، بإيرادات تبلغ 1,172 مليار ريال وتصل إلى 1,259 مليار ريال في 2026. وهذه أول الملاحظات الجوهرية وفق التقديرات المعلنة في بيان الميزانية، وهي أن إجمالي الإيرادات سيحافظ على النمو في عامي 2025 و2026، وكذلك إجمالي النفقات التي تستمر في النمو حتى تصل إلى 1,368 مليار ريال في 2026 بمعدل 29 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. ما يعني استثمار الضخ في البرامج الاستراتيجية والبنى التحتية وجميع البرامج المركزة نحو منظومة الخدمات الحكومية ومنظومة الدعم والحماية والاجتماعية وتنمية المحتوى المحلي والقطاع الخاص والاستراتيجيات التنموية الكبرى. ومما يلاحظ أن المشاريع الكبرى لا تزال تحظى بدرجة عالية من التركيز ضمن بنود الميزانية المختلفة، خصوصا المشاريع المحورية على المدى المتوسط. وهو ما يعني أن الميزانية مثل غيرها من الميزانيات الأخيرة والمقبلة هي ميزانية بناء وتعزيز للنمو واستثمار للمستقبل.
من الملاحظات الأخرى استقرار ووضوح عملية إدارة الدين العام، وهذا أيضا مما ظهر في بيان وزير المالية في المؤتمر الصحافي. يوضح البيان التمهيدي بهذا الخصوص عدة نقاط: أن الدين العام جزء مكمل للميزانية، والتعامل معه سيكون بشكل اعتيادي وروتيني، وأغراضه محددة ومرتبطة بالبناء الإنتاجي وليس الاستهلاكي، وهو يظل في معدلات معقولة، بل متدنية مقارنة بكثير من الدول الأخرى، إذ تبلغ تقريبا 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وتشير التوقعات إلى استمراره بهذه المعدلات نفسها. وقد ذكر الوزير أن الإيرادات المتوقعة تظل هي المتوقعة اليوم، على الرغم من أن زيادتها واردة إذا نظرنا إلى التحفظ الطبيعي الموجود في هذه الحسابات التقديرية، ومن ذلك المتوسط السعري المتوقع للنفط. وبهذا الأسلوب في إدارة الموازنة خصوصا من نواحي المحافظة على وجود عجز إيجابي وليس سلبيا ـ إن صح التعبير ـ نستطيع أن نقول إن الإنفاق الإيجابي الذي يصنع الوظائف ويستحدثها ـ تم استحداث 1.1 مليون وظيفة في 2023 ـ ويفتح قنوات استثمارية منتجة جديدة هو أمر جيد مقارنة بالعجز السلبي أو بالحالة التي نتفادى فيها العجز عن طريق تقليص الإنفاق.
بعيدا عن بنود الميزانية التقليدية، فإننا نرى أن الربط واضح بين الاستراتيجيات الوطنية الحديثة - التي خرجت خلال الأعوام الخمسة السابقة - وبين الميزانية واستثماراتها، ومنها استراتيجيات كل من: التقنية المالية، والصناعة، والسياحة، والألعاب الإلكترونية، والملكية الفكرية، والاستثمار، والزراعة، والبيئة. تصنع هذه الاستراتيجيات مع المشاريع الكبرى نقاط تركيز وبناء واضحة. وبكل تأكيد تلعب بعض الجهات المركزية مثل صندوق الاستثمارات العامة دورا محوريا في ربط أعمال التخطيط والاستثمار والتنفيذ بمستهدفات الرؤية، والميزانية تؤكد ذلك بتفاصيلها، خصوصا من نواحي استمرار الإنفاق بالمعدلات المستهدفة ذاتها، التي لم تتأثر كثيرا بالظروف الاقتصادية العالمية في 2023.

إنشرها