«المؤشرة»
وأنا أفتح أحد الكتب المتخصصة في الاتصال والمحتوى وعلاقتها بالواقعي والافتراضي انتبهت إلى ما كنت أسميها "فاصلة الكتاب"، وهي قطعة الورق أو الجلد التي نضعها عند الصفحة التي توقفنا عندها، كان مكتوبا عليها عبارة جميلة وشهيرة.
تساءلت عن هذه الفاصلة أو العلامة، أعرف وظيفتها، لكني لا أعرف على وجه الدقة اسمها الفعلي في لغتنا العربية، وحتى في اللغة الأخرى التي أجيدها، لا أعرف وأنا الذي امتلك منها الكثير، ومنها اثنتان أو ثلاث لها قيمة غالية إحداها من "براج" عاصمة المكتبات في أوروبا.
هذه القطعة تسمى في اللغة العربية "المؤشرة" أو "علام الكتاب" كما كان يسميها الوراقون قديما أو مجلدو الكتب حديثا، وهو "شريط يعلق في أعلى كتاب للدلالة على الصفحات التي فيها العبارات التي يود معرفة مكانها"، وهي أيضا "علامات رقيقة من الجلد أو القماش أو ورق الكرتون، لتحدد من خلالها عند أي صفحة توقفت".
تأملت في هذه القطعة بين يدي، ثم في المؤشرة الجلدية الأثيرة لدي، وأدركت أننا نغفل أحيانا عن أشياء صغيرة لكنها مهمة ضمن أدواتنا فيما نفعل، وإذا اتفقنا أن القراءة "فعل" بالمعنى المنتج أو المفيد الذي يسبب الحركة والانتقال الذهني والعملي من نقطة إلى أخرى في فهمك أو عملك أو حياتك، فهذه القطعة الصغيرة جزء من هذا الفعل، أو هي من أدواته.
تذكرت أنواعا مختلفة منها نستخدمها لتقوم بهذه الوظيفة، لعل أشهرها هو كعب بطاقة الصعود للطائرة لمن يقرأون أثناء السفر، وعند الآباء والأمهات كانت ورقة التقويم مطوية إلى نصف حجمها، ولا بد أن تكون من " تقويم أم القرى" الأشهر والأكثر موثوقية بلونه الأخضر المميز، ثم قطع الورق الصغيرة من أي مصدر كانت.
اليوم قلما تقدم دور النشر الكتب بلا هذه المؤشرة، أدركت أنها جزء مهم من تحسين تجربة العميل، القارئ في هذه الحالة، إضافة إلى أن تصاميمها وما يكتب عليها تعطي مؤشرات أولية عن مستوى التصميم أو الجودة في الطباعة، أو حتى عن ذائقة أهل الدار، دار النشر.
أركز على شيء صغير ربما تأثرا بعلم الظواهر الذي تعرفت عليه أكثر وبفهم مختلف من قراءة كتاب "على مقهى الوجودية"، وأنتبه إلى كثير من الأشياء التي لا نعرف أهميتها أو قيمتها إلا عند فقدها.
أخيرا اقتنعت أن أفضل "مؤشرة" وأكثرها عملية هي القماشية الصغيرة المخاطة بالكتاب كما في المصاحف، إنها تمثل في نظري "الاستدامة" والوفاء، والارتباط الأزلي.