الرياض و«إكسبو 2030» .. معنى أن تكون استثنائيا

الرياض و«إكسبو 2030» .. معنى أن تكون استثنائيا

كل شيء في باريس صار سعوديا، رائحة الهيل نفذت إلى سماء العاصمة الفرنسية لتعطرها، فيما أقبل مندوبو الدول والمفكرون والقادة على حاملي الأباريق طمعا في فنجان قهوة سعودي أو حبات من تمور القصيم والعلا، قبل الاستمتاع بالعروض الاستعراضية والمائية على أنغام مواهب سعودية سطعت في سماء عاصمة الفن مثل عبدالله فلفلان ومحمد القثم ومايان أكرم، وعلى الجانب الآخر ووسط الأضواء الكاشفة والوفود رفيعة المستوى يتقدمهم بدر بن فرحان وعادل الجبير وعبدالله السواحه وفيصل الإبراهيم وفيصل بن عياف، برفقة ديميتري كركينتزس، الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض.
هذه الأجواء التي شهدتها مدينة مودون الواقعة جنوب غربي باريس في السادس من نوفمبر الجاري، على هامش الملتقى الختامي الذي نظمته الهيئة الملكية لمدينة الرياض لدعم ملف استضافة إكسبو 2030، لم تثبت فقط أن السعودية هي الأجدر بتنظيم هذا الحدث العالمي مقارنة بمنافسيها سواء إيطاليا أو كوريا الجنوبية، بل تؤكد أنها الدولة الوحيدة القادرة على بدء حقبة تغيير في المعرض الذي يعود تاريخه إلى عام 1851 حيث قصر الكريستال الشهير الذي احتوى على أول نسخة بعرض ابتكارات الثورة الصناعية حينها.
يدلل على ذلك تاريخ المملكة، تحديدا منذ عام 2017 حين بدأت في استضافة أكبر الأحداث العالمية بمختلف أنواعها، ففي الرياضة كان لها النصيب الأكبر باستضافة كأس السوبر الإيطالي 2018، ثم نظيره الإسباني في 2019، وتنظيم السوبر كلاسيكو بين الأرجنتين والبرازيل، فضلا عن بطولات كبرى كفورمولا إي في الدرعية 2018، ورالي داكار الصحراوي 2020، وفورمولا 1 عام 2021 ومازال القوس مفتوحا في ظل خروج كل تلك البطولات بأفضل صورة ممكنة وبنسخ شهد الجميع أنها استثنائية، أقربهم مونديال كأس العالم 2034.
هذا النجاح لم يختلف في النواحي الأخرى، سواء باستضافة قمم عربية ومؤتمرات داعية للسلام مثل مؤتمر جدة الأخير، أو في مجال المعارض الدولية مثل معرض الدفاع العالمي الذي أطلقت السعودية أول نسخة له عام 2022 ويعد ضمن الأضخم في مجال المعارض العسكرية، كل هذا بجانب الكرنفال الأضخم في منطقة الشرق الأوسط وهو موسم الرياض الذي أقيم للمرة الأولى عام 2019 وتمكن من جذب أكثر من عشرة ملايين زائر في السنة، وكالعادة أثبتت المملكة جدارتها في تنظيم الفعاليات الكبرى في أفضل صورة سواء من ناحية التنظيم أو إراحة الوفود والزائرين وتحقيق الغرض من كل فعالية. لذلك لم يكن إكسبو 2030 الذي تقدمت المملكة لاستضافته سوى خطوة متوقعة، ورغم هذا التاريخ الحافل لكن الرياض التي تضع بصمتها على كل حدث لم تكتف فقط بإعلان رغبة الاستضافة، بل أعدت نسخة استثنائية وضعت لها ميزانية وصلت إلى 7.8 مليار دولار كما أعلن خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي، مؤكدا أن المبلغ محفز للخطط الاستثمارية، خاصة أنه يحمل شعارا لافتا في تاريخ إكسبو الذي انطلق من لندن عام 1851 ميلاديا: "حقبة التغيير.. معا نستشرف المستقبل" وتحته ثلاثة مواضيع فرعية: غد أفضل، العمل المناخي، الازدهار للجميع. ما معنى أن تكون استثنائيا؟، يعني أن تفعل تماما ما فعلته المملكة حين أعلنت أنها في حال فوزها ستتكفل بتوفير الأجنحة ونقل التراث للدول النامية من أجل المشاركة لأول مرة في معارض إكسبو، وذلك لمنح تلك الدول الفرصة أمام زوار يتوقع أن يصل عددهم إلى 40 مليون زائر قادمين من 179 دولة، ومشاركين وصل عددهم إلى 226 ممثلا لـ196 دولة بجانب 29 من الكيانات والمؤسسات الدولية، إضافة إلى تخصيص 343 مليون دولار خصصتهم السعودية لمساعدة 100 دولة في مختلف المجالات.
الاستثناء يعني أيضا أن يكون إكسبو 2030 في حال إقامته في الرياض، أول معرض صديق للبيئة بتحقيق مستوى صفر للانبعاثات الكربونية، وذلك من خلال تشغيل موقع المعرض بوساطة الطاقة النظيفة التي تعتمد على الطاقة الشمسية، إضافة إلى تطبيق معايير التنوع البيولوجي والقضاء على هدر الطعام وضمان إدارة النفايات الخضراء أو إعادة تدويرها، وذلك ضمن توجهات المملكة نحو عالم أقل انبعاثات، وهي السياسة التي نتج عنها زيادة المساحات الخضراء من خلال مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر لرفع مكانة الرياض في مقدمة 100 مدينة ملائمة للعيش.
إضافة إلى ذلك، فالسعودية نفسها دولة استثنائية سواء من خلال التنوع الذي تحظى به إذ يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، وهذا يعني أن الزائرين للمعرض الدولي سيشعروا بالألفة منذ اللحظة الأولى في المملكة، بجانب إمكانات مثل البنية الرقمية القوية وتحتل السعودية المرتبة الـ13 عالميا في متوسط سرعة الإنترنت المتنقل 50.80 ميجابايت في الثانية، كما تتمتع بخدمات حكومية رقمية أدت إلى تقدمها 12 مركزا في مؤشر الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تتضاعف تلك الإنجازات خمس مرات على الأقل في 2030، وإذا أضفنا ذلك إلى البنية التحتية المميزة من منشآت وطرق مريحة، بجانب الفعاليات الترفيهية والرياضية التي تقام في المدن السعودية يوميا، تتضح لنا الصورة أن إكسبو 2030 لن يسير بسلاسة فائقة وحسب، بل سيكون تجربة استثنائية كما أكدت الأميرة هيفاء آل سعود حين قالت: "إكسبو 2030 أكثر من مجرد معرض". هذه الحقائق ليست أكثر من ملامح بسيطة لقائمة طويلة تثبت أن "حقبة التغيير.. معا نستشرف المستقبل" ليست مجرد شعار قدر ما هي حقيقة واقعة، ورغم أن المدن المنافسة لها قيمتها وثقلها الحضاري، لكن في ميزان المنافسة ترجح كفة الرياض بما استعدت له وما تملكه من مقومات، والسؤال الآن: هل يمنح المكتب الدولي للمعارض الفرصة لملايين الناس كي يستمتعوا بتجربة فريدة ليس فقط على صعيد الأعمال والمشروعات في معرض سيصبح "واحة الفرص"، لكن على صعيد الحياة أيضا إذ من حق الزائرين الاستمتاع في بوليفارد الرياض وفيا الرياض، أو الاسترخاء في متنزه الملك سلمان البري، أما التنقل فلا يحملون هما فمكان استضافة إكسبو 2030 على بعد محطة مترو واحدة من مطار الملك سلمان الدولي الجديد، وما بعد الإعلان والفوز السعودي المتوقع.. تبقى أن نقول للعالم: يالله حيهم في المملكة.

الأكثر قراءة