Author

مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

نشرت «الاقتصادية» يوم الجمعة الماضي خبر صدور تنظيم عمل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، "18 مادة تنظم عمل مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ــ https://www.aleqt.com/2023/11/24/article_2662876.html". ونص التنظيم على أن يكون هدف المجمع المحافظة على سلامة اللغة العربية ودعمها نطقا وكتابة، والنظر في فصاحتها وأصولها وأساليبها وأقيستها ومفرداتها، وضوابطها وقواعدها، وتيسير تعلمها وتعليمها داخل المملكة وخارجها، لتواكب المتغيرات في جميع مجالات اللغة العربية.
من الأمور التي أقترح أن يوليها المجمع اهتماما قويا مسألة الترجمات العربية لمصطلحات وبصفة أعم لمسميات أخذت من لغات أخرى، خاصة الإنجليزية.
قامت الثورة الصناعية في الغرب، وتلت قيامها تطورات واختراعات وأسماء. وترجمت أسماء أعجمية باختيار كلمات عربية، لكن المعنى في اللغة العربية قد لا يتفق مع المعنى في اللغة الأعجمية. لكن كثيرين استندوا إلى الاسم العربي وبنوا عليه أحكاما، وجهلوا أو تجاهلوا المعنى المأخوذ من العجم. لاحظت هذه المشكلة خلال دراستي في كلية الشريعة، وفي دراستي العليا في تخصص الاقتصاد، ولاحظتها خلال الندوات والمناقشات والفتاوى لأمور مستجدة.
كيف ظهرت المشكلة؟ من المعروف أن دلالة كثير من الكلمات في أي لغة تتعرض عرفيا للتغير الكلي أو الجزئي مع مرور الأعوام. لكن للغة العربية منزلة خاصة عبر القرون. هي لغة القرآن. قال سبحانه في سورة الشعراء: «وإنه لتنزيل رب العالمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين (195)» وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن تكون للغة العربية مكانة خاصة.
عندما جاء الإسلام جعل لبعض الكلمات العربية معاني شرعية "مثل الإيمان والكفر والصلاة والصيام والحج"، كما أعطى الفقهاء والأصوليون "علماء أصول الفقه" خلال القرون الأولى من ظهور الإسلام بعض الكلمات دلالات ومعاني محددة اصطلاحية، وهناك مناسبة قوية بين الأصل اللغوي والمعنى الشرعي والمعنى الاصطلاحي. لذا انتشر التعريف اللغوي والشرعي لكثير من الكلمات. وينبغي ألا يفهم من ذلك أن الفقهاء متفقون على التعريفات والدلالات، لكن معرفة المعاني اللغوية للكلمات مطلب. وغالبا يتفقون على جوهر المعنى، وإن اختلفوا في تفاصيل.
الضعف الاقتصادي وغير الاقتصادي في بلدان العرب عبر مئات الأعوام، وظهور الثورة الصناعية في الغرب وتعرض أغلب بلدان العرب للاستعمار، كل هذا تسبب في تغيير المسار. كيف؟ استخدمت في البلاد العربية منذ عصر الثورة الصناعية كلمات ترجمة لمصطلحات وتعبيرات ذات معان محددة نبتت أو تطورت في الغرب. ومع مرور الأعوام وفي ظل هيمنة الحضارة الغربية، وكونها منبع الثورة الصناعية وما تبعها من تطورات لا تخفى، فقد شاع الاستخدام، وأصبح الناس من أفراد وإعلام وتعليم وجهات حكومية يفهمون معاني تلك الكلمات بالمعاني الموجودة في اللغات الغربية المترجم منها، وغالبا الإنجليزية. ومن ثم صار الناس يجهلون المعاني العربية الفصيحة والفقهية للكلمات المستخدمة ترجمة. ومن باب أولى جهلهم لما بني عليها من معان ودلالات فقهية.
من نتائج ما سبق سوء فهم دلالة كلمات وتعبيرات، والكلام هنا مركز على ما يستخدم في أمور الاقتصاد والمال والبيع والشراء وما إليها. مثلا، يورد علماء أو متخصصون في الفقه كلمات قاصدين بها المعاني الفصيحة، ويستخدم تلك الكلمات مهتمون بالشأن الاقتصادي "من غير علماء الدين" من رجال أعمال وصانعي قرار ومتخصصين في علم الاقتصاد، لكنهم لا يقصدون تلك المعاني الفصيحة، وغالبا هم أصلا لا يحيطون بها علما. ماذا يقصدون؟ معان حديثة، استفيدت من الغرب، كما سبق شرحه.
وترتب على اختلاط المفاهيم أن أصدرت آراء وأحكام وفتاوى على تصرفات تحمل أسماء واحدة لدى الفقهاء ولدى الاقتصاديين، لكنها مختلفة من حيث المعنى اختلافا كليا أو جزئيا، والسبب مشكلة الترجمة. وصار الوضع أن "العبرة بالألفاظ لا بالمعاني"، بدرجة ما، عكس ما كان يفترض.
وزادت المشكلة بكون بضاعة الفقهاء "المقصود عامتهم، ووجود استثناءات أو أقلية لا يخل بهذا العموم" بلغات ما يسمى العلوم العصرية "غالبا ما تكون الإنجليزية" ضعيفة، وبضاعة عامة الاقتصاديين بالكتب الفقهية "بالأخص القديمة" ومصطلحات الفقه ضعيفة.
غالبا ما تقوم ترجمة المفردات على تقريب المعنى، ذلك أنه في الأغلب يصعب وأحيانا يتعذر الوصول إلى لفظ عربي يطابق المعنى الذي تدل عليه اللفظة الأعجمية، وأحيانا يحدث الأسوأ، بأن تختار ترجمة تسبب اللبس في الفهم. وهنا تنشأ غالبا مشكلة في التصور والفهم بالغة الأثر والتأثير.
واستطرادا، أشير إلى أن للمترجمين عادة طريقة أساسها النظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات المرادة ترجمتها، وما تدل عليه من المعنى، فيأتي بلفظة مفردة من الكلمات العربية يرى أنها ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى، فيثبتها وينتقل إلى الأخرى كذلك، حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه، وهذه الطريقة هي الشائعة، لكنها تحمل قدرا من الضعف في أكثر الأحوال، لأسباب عدة، أهمها في نظري اثنان:
الأول، سوء الاختيار. قد يختار المترجم كلمة عربية غير مناسبة، وتزيد المشكلة عندما يشيع الاستخدام. كلمة "قرية" مثال واضح. شاع استخدامها بالمعنى الذي تدل عليه الكلمة الأعجمية village. وهو باختصار تجمع حضري سكانه قليل. لكن كلمة "قرية" باللغة العربية تعني كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا مهما كبر وكثر سكانه. انظر على سبيل المثال "المعجم الوسيط" لمجمع اللغة العربية. وعلى هذا المعنى وردت كلمة "قرية" و"قرى" في عشرات الآيات في القرآن الكريم.
الثاني، لا يوجد غالبا في أي لغة كلمة ذات معنى مطابق أو شبه مطابق لمعنى الكلمة في اللغة المرادة الترجمة منها. ويزيد الطين بلة كون خواص التركيب والنسب الإسنادية لا تطابق نظيرتها من لغة أخرى دائما، وأيضا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات، وهي كثيرة في جميع اللغات.
ولذا نطمح أن يكون لمجمع الملك سلمان دور كبير في طرح وتبني مرئيات تخفف من مشكلات الترجمة القائمة.

إنشرها