توقيت القرار .. هنا الخطورة

يأتي خفض النظرة المستقبلية لتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضي من قبل وكالة موديز للتصنيف الائتماني في أسوأ الأوقات لوزارة الخزانة الأمريكية التي تسعى جاهدة لتنظيم عمليات الاقتراض التي تقوم بها لسد عجز الميزانية الذي بلغ 1.7 تريليون دولار لهذا العام. كما أن الصراعات داخل الكونجرس بين الديمقراطيين والجمهوريين ستؤجج المشاعر وستزيد التحديات التي تواجه البيت الأبيض الذي يسعى بدوره إلى المحافظة على اقتصاد قوي وميزانية كافية - على الأقل - إلى أن تنتهي الانتخابات بعد عام من الآن.
قرار موديز في حد ذاته ليس حادا بشكل كبير، كما حدث سابقا من قبل وكالتين أخريين قامتا بخفض التصنيف وليس فقط تغيير النظرة المستقبلية، لكن خطورة قرار موديز تأتي في توقيته السيئ لوزارة الخزانة. الأسبوع الماضي كانت هناك مخاوف شديدة من فشل مزاد السندات الذي تجريه الوزارة، وبالفعل كاد يفشل المزاد بسبب تدهور الأوضاع المالية لكبار المتعاملين في سوق السندات، وهم الوسطاء الرئيسون الذين يتقدمون بطلباتهم لشراء السندات التي تطرحها الوزارة.
التخوف من قبل وسطاء السندات سببه الظروف المالية والاقتصادية للحكومة الأمريكية ومستويات الدين وتنامي معدلات الفائدة، وهي الأسباب ذاتها التي جعلت وكالة التصنيف تحذر من اختلال القوة الائتمانية للولايات المتحدة. وبالنظر إلى مشاركة الوسطاء في المزادات السابقة لهذا العام يتضح أنهم يتحملون عبء الشراء بدلا من غيرهم من المشاركين، وبالذات بدلا من المشاركين من الدول الأخرى. على سبيل المثال اشترت الأطراف الأجنبية 75 في المائة من السندات المطروحة في يناير من هذا العام، ثم انخفضت نسبة شرائهم إلى 65 في المائة في أكتوبر الماضي، ثم في مزاد الأسبوع الماضي جاءت مشتريات الأجانب فقط 60 في المائة.
في المقابل نجد أن مشاركة الوسطاء زادت خلال هذه المزادات من 9 إلى 25 في المائة في المزاد الأخير، ومثل هذه العمليات التي يقوم بها الوسطاء الرئيسون تشكل صعوبات كبيرة عليهم لأن عليهم في نهاية المطاف تسويق هذه السندات على أطراف أخرى داخلية وخارجية، وفي حال عدم قدرتهم على ذلك فسيتحملون تكاليف مالية ربما تفوق قدراتهم المالية، أو أن يضطر الفيدرالي إلى التدخل لمعالجة الخلل وضخ مزيد من السيولة، مخالفا سياسته في خفض مستوى السيولة.
تغير التصنيف الائتماني يزيد الطين بلة في أن ذلك يزيد مخاوف المشترين، سواء الوسطاء الرئيسون أو غيرهم من المشاركين ويؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض على وزارة الخزانة. وفي المقابل فإن ذلك يؤدي إلى صعوبات على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي لديه سياسة بيع ما لديه من سندات ولكن في مثل هذه الظروف سيكون من الصعب قيامه بذلك لتجنب صب مزيد من الوقود على نار أسعار الفائدة. فحين يقوم الفيدرالي ببيع سنداته ترتفع أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى رفع تكلفة الاقتراض على وزارة الخزانة.
دوامة خطرة تنتج من هذه التفاعلات، فعندما ترتفع أسعار الفائدة على السندات الحكومية فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع العجز بسبب ارتفاع حجم الإنفاق على صيانة الديون كنسبة من إيرادات الحكومة، ومن ثم يؤدي ذلك بدوره إلى ارتفاع حجم الاقتراض وارتفاع أسعار الفائدة على السندات الطويلة، ما يؤدي مرة أخرى إلى ارتفاع العجز والاستمرار في هذه الدوامة إلى أن يصبح حجم الدين فوق قدرة تحمل الولايات المتحدة، وهذا مصدر القلق لكثير من المتابعين. عقب إعلان نتيجة مزاد وزارة الخزانة الأسبوع الماضي حدث خلال ساعة واحدة فقط ارتفاع حاد في عائد سندات 30 عاما من 4.62 إلى 4.82 في المائة، ما يعني عمليات بيع سريعة ومفاجئة لهذه السندات، والسبب التخوف من فشل المزادات المقبلة واحتمال ارتفاع معدلات الفائدة أكثر مما كان متوقعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي