التباطؤ الناجم عن السياسات في الصين «2 من 2»
الأمر الواضح هو أن حكومة الصين ملتزمة بالحد من اختلالات التوازن المالي. وهذا يعني الإبقاء على السندات الحكومية عند مستوى أقل من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الموازنة عند مستوى أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بهامش كبير عادة. في حين بلغت نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، فقد انخفضت إلى 1.1 في المائة في 2011، مع مسارعة الحكومة إلى الخروج من دورة التحفيز التي بلغت قيمتها أربعة تريليونات يوان صيني (555 مليار دولار). الآن يشعر عدد كبير من الاقتصاديين والمسؤولين الحكوميين الصينيين بالفخر، لأنهم قاموا بعمل أفضل من أغلب الدول الأوروبية في الالتزام بالقواعد المالية المنصوص عليها في معاهدة ماستريخت. رغم أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أن الالتزامات الطارئة المستحقة على الحكومة الصينية مرتفعة، نظرا لديون الحكومات المحلية، فإن موقف الصين المالي يظل أقوى كثيرا من أغلب الدول الغربية.
من المؤكد أن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين ارتفعت منذ 2015. لكن هذا كان راجعا بدرجة كبيرة إلى التخفيضات الضريبية، وليس زيادة في الإنفاق الحكومي. رغم أن قلة من المراقبين الغربيين قد يعترفون بهذه الحقيقة، فإن اقتصادات جانب العرض أشد تأثيرا في الصين مقارنة بالولايات المتحدة.
بينما انتهجت الحكومة سياسة مالية حذرة، كان بنك الشعب الصيني يتعامل مع عدد كبير للغاية من الأهداف، النمو الاقتصادي، وتشغيل العمالة، واستقرار الأسعار الداخلية والخارجية، والاستقرار المالي، بل حتى تخصيص الموارد المالية. كان لزاما عليه أن يستجيب للتغيرات الدورية الطارئة على مؤشر أسعار المساكن، فإذا سجل المؤشر ارتفاعا حادا، يسحب بنك الشعب الصيني زمام السياسة النقدية. في عموم الأمر، التزم بنك الشعب الصيني بعدم ملاحقة "الري بالغمر" ـ أي إغراق الاقتصاد بالسيولة ـ لكنه بدلا من ذلك التزم نهج "الري الدقيق بالتنقيط".
لا شك أن الصين كانت قادرة على تحقيق نمو أعلى على مدار العقد الماضي بالاستعانة بنهج أكثر عدوانية في إدارة سياسة الاقتصاد الكلي. رغم أنه لم يعد بالإمكان تغيير ما حدث في الماضي، فإن الصين لا تزال قادرة على تحقيق مستقبل أكثر ديناميكية، لكن لن يتسنى لها هذا إلا إذا نفذت توسعا ماليا ونقديا مصمما بعناية ويركز على تعزيز الطلب الفعال، والنمو في نهاية المطاف.
من حسن الحظ أن هناك من الأسباب ما يدعونا إلى الأمل أن يتحرك صناع السياسات في الصين في هذا الاتجاه. فأخيرا، عدت الحكومة الطلب غير الكافي أحد تحديات الاقتصاد الكلي الرئيسة التي تواجه الصين، وأعلنت أن الصين ينبغي لها أن "تستفيد من الزخم المتحسن على نحو متزايد، وتعمل على تعزيز تعديلات السياسة الكلية، وتنفيذ السياسات النقدية الحكيمة بطريقة دقيقة وقوية".
لعل هذا هو التغيير الأكثر أهمية الذي طرأ على المبادئ التوجيهية لسياسية الاقتصاد الكلي في الصين في الأعوام الأخيرة. وإذا ترجمته السلطات الصينية إلى سياسة فعالة، فسيترتب على هذا نمو أعلى وأكثر استقرارا.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.