إصلاح شامل لاقتصادات العالم العربي «3 من 4»
ينبغي أن يمسك القطاع الخاص بعجلة القيادة لزيادة النشاط الاقتصادي، بدعم من قطاع عام قوي وعلى درجة عالية من الكفاءة.
وفي المقابل، نجد أن دور الحكومات في إنشاء المؤسسات وتصحيح إخفاقات السوق وتوفير السلع العامة يشكل عاملا رئيسا. وستكون إصلاحات التعليم ضرورية لضمان إدخال القوى العاملة في القطاع الرسمي، ما يعزز أمن الدخل للمواطنين وسهولة حصولهم على أشكال الحماية الاجتماعية، ولتطوير المهارات الكافية للمواطنين للالتحاق بالقطاع الخاص. ومن شأن إزالة الحواجز القانونية وإنهاء الممارسات التمييزية أن يساعدا على تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة. فمن شأن إحلال الدعم الموجه محل إعانات الدعم المعممة للأسعار أن يتيح لمن هم أشد احتياجا استشعار التحسن الفوري والملحوظ.
في الوقت الراهن، تنتشر المؤسسات المملوكة للدولة في المنطقة عبر الطيف الاقتصادي، حيث تراوح من مؤسسات الصناعات التحويلية للتبغ والمنسوجات والمواد الغذائية والأثاث إلى مؤسسات الاتصالات وإنتاج الكهرباء. وهذا الوجود الكبير للقطاع العام في الأنشطة التجارية وبصفته الملاذ الأول للتوظيف توجد أوجه عدم كفاءة وتشوهات، ما يشكل عبئا كبيرا على نمو الإنتاجية الكلي.
تشكل الحوكمة الاقتصادية القوية والسياسات الحاسمة لمكافحة الفساد عاملين رئيسين لتشجيع النمو الأسرع والأكثر شمولا للجميع وضمان إتاحة فرصة إبداء الرأي للجميع. فالمشاركة السياسية والاقتصادية توفر الحماية لمبدأ المساءلة بشأن استخدام الموارد العامة وتقديم الخدمات، كما تعزز التماسك الاجتماعي والثقة، وتضمن إمكانية توزيع منافع النمو عبر مختلف فئات المجتمع. ومع التقدم في تنفيذ الإصلاحات، سيكون من الضروري أن تقدم الحكومات أدلة مؤيدة لما اتخذته من قرارات ونتائجها وتتحمل مسؤوليتها. فالمؤسسات التي تتمتع بالشفافية وقوة المساءلة تضمن قيام قواعد العمل على العدالة والوضوح.
وحول التأكيد على الصلابة فقد أصبح تحول الطاقة والصلابة في مواجهة تغير المناخ من الضرورات الأكثر إلحاحا. ففي منطقة ذات احتياجات كبيرة للمياه والغذاء، سيتسبب تغير المناخ في تفاقم مستويات الجوع المرتفعة أكثر من أي وقت مضى. وسيسفر ذلك عن تعميق الاضطرابات الاقتصادية، والصراع، والنزوح البشري.
ففي تونس، يواجه قطاعا السياحة وصيد الأسماك أخطار تآكل الشواطئ، مع ما لذلك من انعكاسات خطيرة على النشاط الاقتصادي والتوظيف. وفي موريتانيا، يمكن أن ينخفض النمو بنسبة تصل إلى نقطة مئوية مع ازدياد موجات الجفاف، لكن زيادة فرص الحصول على الكهرباء يمكن أن يخفض الخسائر إلى النصف.
من هنا يتضح أن الجهود الاستباقية لتعزيز الصلابة في مواجهة تغير المناخ تشكل أولوية ملحة. فقد بدأت بعض دول المنطقة بالفعل في الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية القادرة على تحمل تغير المناخ، مع اتخاذ تدابير من شأنها زيادة التكلفة الفعلية لانبعاثات الكربون، بما في ذلك إلغاء الدعم على استهلاك الطاقة بالتدريج. وقام المغرب في الأعوام الأخيرة ببناء أكبر محطة في العالم للطاقة الشمسية المركزة، تستخدم الحرارة المنعكسة لدفع عملية توليد الكهرباء حتى بعد غروب الشمس. وجاءت مصر في طليعة دول المنطقة في إصدار السندات الخضراء وسرعت وتيرة إدماج الطاقة المتجددة في منظومة الطاقة على مدار العقد الماضي.