تخبيب الأزواج .. هل يصبح من أمراض العصر؟!
"التخبيب" بين الأزواج ليس جديدا، بل موغل في القدم، فقد حذر منه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها...». لكنه بدأ يطفو -في الآونة الأخيرة- على وسائل الإعلام، ويصبح حديث المجالس بشكل ملحوظ، ربما لكثرة حدوثه، وتوافر الوسائل التقنية التي تمهد له الطريق، وتؤدي إلى نجاحه في إيجاد اضطراب وعدم استقرار داخل الحياة الزوجية. في هذا الخصوص، لفت انتباهي اهتمام المتخصصين بهذه المشكلة واستقطابها لدراساتهم. واستوقفتني كثرة الدراسات العلمية في هذا المجال، ما يؤكد وجود مشكلة اجتماعية، خاصة عندما تشير إحدى هذه الدراسات، إلى تصريح بعض المحامين بأن نحو 70 في المائة من حالات الطلاق والخلع سببها التخبيب!
ومن الدراسات التي اطلعت عليها عند إعداد هذا المقال، دراسة حول التخبيب من إعداد نخبة من المتخصصين بإشراف الدكتور عبدالله السدحان، ودراسة أخرى أعدتها الدكتورة سناء العتيبي، عن تأثير وسائل التواصل في تخبيب الزوجين. على أي حال، يقصد بالتخبيب إفساد العلاقات الزوجية من خلال تأليب أو حث أحد الزوجين على الطلاق أو الخلع من خلال الوشاية والخداع أو النميمة من أجل إفساد الحياة الزوجية والتفريق بين الزوجين. ويصنف التخبيب إلى نوعين: أحدهما بقصد الإفساد، وذلك بدافع الحقد والرغبة في الانتقام، أو بقصد الظفر بأحد الزوجين لبناء علاقة شرعية أو محرمة. أما الآخر، فهو بقصد الإصلاح، وفي الأغلب يأتي في صورة نصيحة من الأهل والأقارب والأصدقاء أو المرشدين الأسريين، لكنها تؤدي إلى نتائج عكسية. وعلى الرغم من أن التخبيب يمكن أن يحدث للزوج أو الزوجة أو الاثنين معا، فإن الشائع هو تخبيب الزوجة. يأخذ التخبيب صورا متنوعة ومختلفة، منها حث أحد الزوجين على عدم بذل مزيد من الاهتمام بشؤون الحياة الزوجية، بحجة أن المبالغة في التقدير والاحترام تؤدي إلى نتائج عكسية، أو التخبيب من خلال الوشاية أو الابتزاز. ويمكن أن يحدث بسبب الحسد والغيرة المزروعة في نفوس بعض الناس أو بسبب الرغبة في الظفر بأحد الزوجين، لجاه، أو مركز وظيفي، أو جمال ووسامة، أو حسن خلق، لكنه قد يحدث -أحيانا- بدافع الانتقام لوجود خلافات شخصية قديمة.
من المثير أن يحدث التخبيب من قبل أقرب الناس، مثل الوالدين، وذلك من منطلق الشفقة أو الغيرة غير المقصودة، كذلك من الأبناء لدوافع ذاتية، أو من الإخوة والأخوات بدافع الغيرة أو كره أحد الزوجين. والأغرب من ذلك، أن يحدث التخبيب من قبل أحد الزوجين دون قصد، وذلك من خلال الثناء المفرط على الأصدقاء أو الصديقات من حيث الجمال والأخلاق! ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن التخبيب يمكن أن يحدث من قبل الصديقات اللواتي يصورن حياة المطلقة بأنها حياة وردية توفر الراحة والحرية، وإمكانية السفر مع الصديقات، وبعيدا عن قيود الزواج.
تشير إحدى الدراسات إلى قول إحدى النساء المشاركات في تلك الدراسة، إن "زوجي ليس فيه عيب، لكن كل زميلاتي مطلقات، ويسافرن كما يردن، ويرتدن المقاهي والاستراحات، وأنا مربوطة بهذا الزوج". وفي حالات قد لا تكون قليلة، يحدث التخبيب نتيجة المحادثات الغزلية التي قد تؤدي إلى الابتزاز. ولا يقل عن ذلك خطرا، التخبيب عن طريق المستشارين الأسريين بقصد أو دون قصد، وذلك نتيجة قلة الخبرة والتأهيل وعدم الكفاءة لممارسة الاستشارات الأسرية. وفي حالات محدودة، قد يحدث شرخ في الحياة الزوجية نتيجة رسائل مجهولة الهوية.
إلى جانب ذلك، تشير الدراسات إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي من خلال انتشار النماذج السلبية في مجموعات الدردشة، وسناب، وواتساب، وتيليجرام، وتيك توك، و(X) -تويتر سابقا- وغيرها.
أخيرا، للحد من تزايد التخبيب وتأثيره في الاستقرار الأسري، أقترح إجراء مزيد من الدراسات الإحصائية لتحديد مدى انتشار هذه الظاهرة وخطورتها، إلى جانب زيادة الاهتمام بالإرشاد الأسري من حيث العناية باختيار الأشخاص المناسبين لممارسة المهنة من حيث الأخلاق والتأهيل واجتياز معايير ممارسة المهنة، وتنظيم دورات للأزواج عن خطورة التخبيب على اضطراب الاستقرار الزواجي، وكذلك زيادة اهتمام وسائل الإعلام وخطباء المساجد بفضائل الاستقرار الأسري وانعكاسه على جودة حياة أفراد الأسرة، خاصة الأطفال والزوجين، إلى جانب ضرورة التزام مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي بالصدق وعدم الخداع والمبالغة والمباهاة بالحياة الوهمية الباذخة.